بينما تحذر 'الصحة' من التجمعات نجد أن مهلة التصحيح وضعف الاستعداد لها أدى لازدحامات في مكاتب العمل والترحيل والسفارات، وكل منها بؤرة تفشٍ موقوتة ما لم يتم التعامل معها بجدية

تعد حملة وزارة العمل التصحيحية لمخالفي نظامي الإقامة والعمل، نقطة تحول تاريخية ذات آثار عديدة ليست على سوق العمل فحسب وإنما حتى على التركيبة السكانية للمملكة العربية السعودية، وقد يكون من المهم القيام بتعداد سكاني خاص بعد انتهاء فترة الحملة التفتيشية، حيث إن المؤشرات السكانية ستتغير بلا شك بعد ترحيل ما يقارب من ثلاثة إلى خمسة ملايين وافد حسب توقعات القائمين على الحملة.
وفي خضم هذه الحملة الوطنية والتي تقوم بها وزارة العمل ووزارة الداخلية، ظهرت العديد من المشاهدات التي تبعث على القلق، متمثلة بتجمعات لآلاف الوافدين أمام سفاراتهم وقنصلياتهم أو في مراكز الترحيل بانتظار انتهاء أوراقهم ولفترات طويلة في أماكن ضيقة، مما يجعلها بيئات مناسبة خصبة لانتقال العدوى والأمراض.
القلق من هذه التجمعات يزداد والمملكة في مرحلة حرجة استعدادا لموسم العمرة من جهة ومواجهة تفشي فيروس كورونا من جهة أخرى، فبينما وزارة الصحة تحذر من التجمعات نجد أن مهلة التصحيح وضعف الاستعداد لها أدى لازدحامات في مكاتب العمل والجوازات ومراكز الترحيل وأمام السفارات والقنصليات، وكل منها بؤرة تفشٍ موقوتة ما لم يتم التعامل معها بجدية.
قد يكون من الصعب منع التجمعات والازدحامات مع قرب انتهاء مهلة التصحيح، ولكن لا بد من تواجد ممثلي وزارة الصحة والقطاعات الصحية الأخرى في هذه البؤر المحتملة للتوعية ورصد الحالات المشتبه بها، خاصة وأن منظمة الصحة العالمية ذكرت في بيانها المشترك مع المملكة أن هناك حالات لفيروس كورونا تم رصدها من المجتمع ولا علاقة لها بتفشيات المستشفيات في الأحساء والمنطقة الشرقية.
تواجد العمالة غير النظامي لا يلغي حقها الصحي الإنساني، وإصابة أحدهم أو مجموعة منهم - لا سمح الله بفيروس كورونا - لن يعفينا من مسؤوليتنا إن تم ترحيلهم لبلدانهم بإصاباتهم من دون ترصد أو توعية. مراكز الترحيل تحوي الآلاف من العمالة التي تنتظر انتهاء إجراءاتها وغالبا في أماكن ضيقة وتتشارك الأغراض الشخصية، وكلها مخالفة لتوصيات وزارة الصحة وعوامل تزيد من احتمالية حصول تفشٍ كارثي سيهلك الأرواح ويستهلك الموارد والاستعدادات المهمة لموسمي العمرة والحج.
الوقاية خير من العلاج، وهنا الترصد والتوعية أفضل من انتظار تفشٍ لفيروس مجهول حتى اللحظة لا يعلم مصدره ولا طرق انتقاله بين ألوف من العمالة غير النظامية التي غالبا لا تملك سجلات صحية ولا يعرف تاريخها الصحي، إضافة إلى تعدد اللغات وهذه حواجز حرجة تواجه الفرق الصحية في تعاملاتها اليومية في العيادات والمستشفيات، ولنا أن نتخيل كيف ستعلو هذه الحواجز أثناء الفاشيات.
ذكر المسؤولون عن الحملة التفتيشية التي ستلي المهلة التصحيحية، أن توقعاتهم تتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين وافد غير نظامي، وقدرت وزارة العمل أن من صححوا أوضاعهم قاربوا نصف مليون فقط، فهل هناك خطة من قبل وزارة الصحة بالتعاون مع إدارة الوافدين في وزارة الداخلية لبداية حملة ترصد في مراكز الترحيل حين تكتظ بعشرات ومئات الألوف خلال الأسابيع المتبقية من المهلة؟
أجدني مضطرة للتساؤل عن تواجد هيئة حقوق الإنسان وجمعية حقوق الإنسان في هذا الحراك، فكيف غاب عنهم هذا الوضع الأشد حساسية من بداية تفشي الأحساء، والذي قامت جمعية حقوق الإنسان حينها بزيارته ومن ثم الإعلان بوسائل الإعلام أنها مطمئنة لتعامل الصحة مع التفشي لينتهي دورها بذلك.
ربما غاب هذا البعد عن الإدارة العامة لشؤون الوافدين وهي المسؤولة عن التنسيق بين الجهات ذات العلاقة بمواضيع الوافدين، مع أنه من المتوقع أن الإدارة قد تم تنبيهها لهذه الاحتمالية العالية من قبل وزارة الصحة عن طريق ممثل وزارة الداخلية في اللجنة الوطنية العلمية للأمراض المعدية ومكافحة العدوى.
قامت وزارة الصحة بتوجيه أكثر من 50 جهازا حكوميا بضرورة الاستقصاء والمراقبة الوبائية المتلازمة للجهاز التنفسي التي يسببها النمط الجديد من فيروس كورونا، ولم يحدد خبر الوزارة ماهية هذه الأجهزة الحكومية، ومع ذلك نأمل بأن أحدها كان للقائمين على الحملة التصحيحية قبل أن يفوت الأوان.