أطالب بأن يدرس الطالب في مراحل التعليم الثانوي، أسسَ العمل الإعلامي والاتصالي، تماما كتعليم الفيزياء والجغرافيا والتاريخ؛ وذلك لأن العالم اليوم أصبح وسيلة إعلام مفتوحة يشارك فيه الجميع بصنع الخبر ونقله وتداوله وإعادة تغليفه وبثه بطرق قد ينشأ منها ما يعرف بالإشاعة والتضليل والكذب.
طوال عقود طويلة، لم نتعلم في فن التعبير عن الذات أو المحيط إلى عبر منهج بائس لا يخضع للرسوب والنجاح عرفناه بمادة التعبير، إذ كنا نكتب عن أسبوع الشجرة، وعما فعلناه في الإجازة الصيفية، أو توجيه رسالة لمجاهد في سبيل الله، وكلها مواضيع كانت بالنسبة لنا مواضيع من الترف الفكري، وتسييس منهجي لحقبة أدارها باقتدار تيار واحد.
المراقب البسيط اليوم يستطيع أن يستنبط دون تفلسف متعمق ضحالة ثقافة التعبير عن الذات وثقافة الاختلاف مع الغير، وثقافة الحوار والنقل والرواية لدى كثير من مراهقينا، فهذا جيل لم يتعلم بأن نقل الكلمة وبثها على الجمهور العريض أمر يتطلب التحلي بأسس الموضوعية والحياد والتجرد من إقحام وجهة النظر الشخصية، وأن النقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيره ليس كـسواليف المجلس أقصى مضارها أن تخلق إشاعة بين الأصدقاء ثم تموت بضحكة من الجميع بعد افتضاح أمرها.
في مدارسنا اليوم هناك توجه كبير للارتقاء بالمهارات العلمية والفنية وتأهيل أجيال المستقبل؛ كي تعي مفاهيم العصر بما فيها ـ ربما ـ الاختلاف والحوار البناء والتفكير النقدي، إلا أن هناك قصورا ـ في تقديري ـ ما زال قائما في تأهيل هذا الجيل بمهارات التواصل والاتصال والعمل الإعلامي، الذي أصبح كما نعلم جميعا أحد مكونات الشخصية المتفاعلة في الفضاء الإلكتروني، الذي يتجلى بوضوح عبر المشاركات المختلفة في فيسبوك وتويتر وباقي منصات التعبير الإعلامي الاجتماعي.
مواد مثل الكتابة الاختزالية مثلا والتعبير الفوري وكتابة العناوين الصحفية
وطرق استنباط استفهامات الخبر الأساسية: ماذا، متى، مَن، أين، لماذا وغيرها، كلها مواضيع أصبحت اليوم توازي أهميتها في الحياة الواقعية مواضيع حساب التفاضل والتكامل، ونظرية أينشتاين النسبية، وفيزياء الكم وغيرها من المواضيع العلمية المعقدة.
إن تأهيل جيل يعرف كيف يشارك بالرأي، ويؤدي دوره الاجتماعي كناقل وصانع للخبر من الأهمية بمكان، في عالم أصبح يحركه الإنترنت في السياسة والاقتصاد والمجتمع، فما ثورات الربيع العربي والحراك الاجتماعي الإصلاحي في باقي دول العالم، إلا دليل على أننا في حاجة ماسة لتعليم مراهقينا أن الإعلام فن وسلاح ذو حدين.