استفزت القراءة التي قدمها الناقد حسين بافقيه في أسبوعية الدكتور عبد المحسن القحطاني مساء أول من أمس الأحد تحت عنوان قراءة في شاهد بلاغي عددا من المهتمين في النقد والبحث التاريخي، واعتبر الدكتور سحمي الهاجري أن ما قدمه بافقيه قراءة وليس نقدا، أو كأن المسافات انمحت بين القراءة والكتابة، كما أنه لم يستفد من المدارس النقدية الحديثة، لذلك اقترح أن يطور هذه الورقة باستحضار ما استجد في النقد الحديث.
وكان بافقيه قد قال بأنه قد يكون كلاسيكيا بالنسبة لمن يفضلون الاستشهاد بين سطر وآخر بأعلام النقد الغربي، قائلا: هناك ولع بالغريب الذي يأتي من الغريب أكثر من الاستفادة منها في سياقاتنا الثقافية، في محاولة لخداع القارئ، غير أني وجدت أن نقدنا البلاغي العربي أكثر ثراء من هذه الاستشهادات التي تتحدث كثيرا دون أن تقول شيئا.
وكان بافقيه قد فكك بيت شعر لعوف بن محلم الشيباني، شاعر بلاط طاهر بن الحسين وابنه عبد الله.
إن الثمانين وقد بُلغتها أحوجت سمعي على ترجمان
وجال بافقيه في مناخات العصر العباسي وعلاقة الندماء بالسلاطين والملوك والأمراء، ملقيا الضوء على الفضاء الثقافي الذي يتحرك فيه الندماء في ذلك العصر، والاشتراطات التي يجب أن تتوفر في النديم من حيث الأهلية والذكاء والبداهة والحضور الذهني والإطاعة.
لكن مقصد بافقيه ذهب إلى أبعد من نقل شاهد بلاغي ونحوي يتردد صداه في أمهات الكتب، فقد كان صاحب البيت أحد الأدباء الشعراء الظرفاء، وصاحب أخبار ومعرفة بالناس، وقد اختصه طاهر بن الحسين وابنه عبد الله لمنادمته طوال ثلاثين عاما، حُرم فيها من زيارة أهله.
وذكر بافقيه واقعة إنشاده لبيت الشعر الذي جاء ضمن قصيدة يتوجع فيها من تشوقه لأهله، مما دفع عبد الله بن طاهر بن الحسين إلى السماح له بزيارة أهله، غير أن الشاعر مات في الطريق ولم يتحقق رجاؤه. بافقيه فصل المعاني الخفية التي تقف وراء القصيدة والبيت الشاهد، ذاهبا إلى أقصى حدود التشريح في معرفة القول وطبيعته ومهمته والمناخ الذي ألقي فيه، ليدخل منه إلى خطاب عام كان يحكم الخطاب الأدبي، بوصفه مرآة للسلطة الحاكمة، مذكرا أن الكثير من الشعراء العرب الذين لم يشتهروا تركوا خلفهم قصائد مهمة، ضاربا المثل بذي الرمة الذي كان يأنف من المديح، الشيء الذي جعله في الصفوف الخلفية للشعراء المشهورين.