سأسحب اليوم من أرشيف الذكريات فاتورة قديمة تعود إلى أربعة عشر عاما، وبالضبط، صباح ولادة حياتنا الثالثة بالغالي محمد. يوم ولادة حمود كان سعر الدجاجة سبعة ريالات، ويومها كان نصف الدجاجة يكفي زوجين وطفلين. صباح ولادة حمود كان سعر كيس الأرز 97 ريالا، وقيمة وزنة من السكر 76 ريالا بالضبط كما تشير الفاتورة. كانت علبة الحليب المجفف الكبيرة بـ27 ريالا بالضبط. كنت وما زلت إلى اليوم أسميه المبروك لأنه كان وجه فأل على حياة أسرته الصغيرة، وبمقدمه فتح الله لي أبوابا من فضله. يوم ولادة هذا الحمود كنا نملك سيارة مقربعة وكنت مثقلا بالقروض، وكنا نعيش على الهاتف المنزلي بدون القدرة على شراء جوال قديم لاستحالة سعره وتكاليف فواتيره، ولأن حمود من مواليد الصدفة لا من منتجات التخطيط والاستعداد، فقد كان ـ من يومها حتى اليوم ـ مثالا للفاتورة التي ولدت متواضعة ثم تضخمت إلى ثلاثة أضعاف سعرها ما بين زمنين. تضاعفت أسعار الدجاج والبيض ومواشي العقيقة، ولم يتضاعف حب هذا المحمد لأنه في الأصل ولد بحب مكتمل، برغم الصدمة الأولى لأمه ليلة تشخيص الحمل.
وأنا اليوم لا أكتب قصة عائلية لابن مبروك، بل أكتب الفاتورة المتضاعفة في حياة عائلة سعودية. أكتب لأقول للأجيال: إن كل طفل جديد ليس إلا فاتورة تتضاعف ولشهر كامل قد يستهلكها كاملة في يوم شارد. وليس من باب السخرية أن أقول إن الدجاجة التي تضاعف سعرها ضعفين، لا تبعث إلا برسالة وحيدة: تخفيض حجم العائلة كي يتكافأ العدد العائلي مع استهلاكها من الدجاج. وبتجربتي، وبحجم عائلتي المتوسط، فإن راتبي الشهري كأستاذ جامعي على المربوط الأول يومها، قد لا يكفي اليوم فواتير الجوال، وعلى مسؤوليتي: يستهلك حمود في اليوم نصف دجاجة، وندفع له مثلها على فاتورة الجوال. الأولاد اليوم قيمة دفترية مذهلة لمن لا يزال يفكر في عائلة كبيرة، وحتى لـالمبروك مثل محمد تكتشف أن بركاته منه وله. حتى نجاحه الدراسي يتحول إلى فاتورة وطلبات...