يلاحظ في الفضائيات العربية توجه العديد من مقدمي البرامج لأسلوب المواجهة والمزايدة واتهام الضيوف وشرائح من المجتمع لدرجة أصبح معها المقدم نفسه محط أنظار واهتمام الجمهور، لا بسبب أهمية المواضيع والقضايا التي يثيرها برنامجه، بل بسبب عبارة قالها مقدم البرنامج ونظرته التحجيرية ولسانه السليط وكلامه اللاذع الخارج عن العرف الإعلامي.
بعض هؤلاء المقدمين أصبحوا معلقين بفكرة صناعة الشهرة الشخصية، بحيث وصل في حال بعضهم أن يتمرد على كل مفاهيم الحياد والموضوعية الإعلامية لكي يتقمص دور حامل لواء الحق والمدافع عن حقوق المظلومين، وهو ذاته من ينعم ماليا وعلاقاتيا بكل أوجه التميز والواسطة الاجتماعية لا لشيء إلا لأنه مقدم البرنامج المشهور المحجّر الأكبر والبعبع المتسلط.
هناك أنموذجان من الأسماء الغربية البارزة في العمل التلفزيوني، أولها لاري كينغ والثاني هو بيل أورايلي وكلاهما أميركيان، إلا أنه شتان بين الأول الذي صنع لنفسه اسما عالميا يعرفه القاصي والداني؛ بسبب تميز ضيوفه ولحياديته النسبية في القضايا الشائكة، وبين الثاني الذي صنع من نفسه اسما بسبب تطرف مواقفه وإعلانيته الدائمة - وبشكل فج - عما يؤمن به، وهجومه الدائم باسم الوطنية على كل ما يراه غير وطني بما في ذلك القضايا المتعلقة بالأديان والأعراق والأصول.
قد يقول البعض إن مقدمي برامج اليوم، وإن كان بعضهم متطرف المواقف وغير حيادي أفضل من مقدمي برامج الأمس الذين لم يكن لديهم لا لون ولا رائحة ولا طعم، وأمام هذا الرأي أقول بأن الاثنين في نظري متساويان؛ لأنهما لا يؤديان الدور الذي هم مؤتمنون على تأديته، وهو التعامل مع الواقع بعقلية الإعلامي الموضوعي، إلا أن الفرق هو أن مقدمي الماضي لم يكن لديهم الأنا المتضخمة، بينما اليوم وبسبب عوامل المال ومواقع التواصل الاجتماعي والمديح المنافق من الكثيرين أصبحت لدينا تلك النماذج المشوهة من مقدمي الأنا المتضخمة لدرجة تجعل البعض منهم يتوهم أنه فرعون الإعلام وجيمس بوند صائد جواسيس الفساد، وحتى عبدالله باخشب الطرقات والسباقات.
شخصيا لا أحترم من يصفي حساباته الشخصية مستغلا برنامجه التلفزيوني، كما إني أحزن على من يخرج عقده النفسيه تجاه المجتمع عبر هجومه على ضيوفه ممن يخالفون توجهاته، وأترحم على الظروف التي لم تجلب لنا لاري كنغ سعودي في حين خلقت لنا أشباه بيل أورايلي المعقد.