المأمول من القائمين على الاختبارات التحصيلية أن يراعوا العوامل الأخرى التي قد تؤثر على تحصيل الطلاب، ولا تكون الدرجات هي المؤشر الوحيد الذي يعتمد عليه في اتخاذ القرار
في الأيام الماضية تم تطبيق اختبارات تحصيلية على طلاب التعليم العام، وشارك في هذه الاختبارات طلاب الصف السادس، وطلاب الثالث المتوسط من مدارس البنين والبنات في ثلاث مقررات ( اللغة العربية، والرياضيات، والعلوم )، وهذه خطوة تقويمية - تطويرية رائدة من وزارة التربية والتعليم، وأنا من المنادين بها منذ زمن طويل، وآمل أن تتكرر مثل هذه الاختبارات نظرا لأهميتها، ودورها في معرفة واقع تعليمنا الحقيقي - على الأقل - في هذه المقررات، والاستفادة من نتائجها فعليا في تطوير تعليمنا من كافة جوانبه، ولقد صاحب تنفيذ هذه الاختبارات في التطبيق الأول عدد من الملحوظات التي من أهمها: لم تكن هناك حملة إعلامية مكثفة لهذه الاختبارات لتوعية الطلاب، وأولياء الأمور، والمعلمين، والمجتمع بشكل عام بنوعيه، وأهمية هذه الاختبارات، والهدف منها، وما ستحققه نتائج هذه الاختبارات في حالة المشاركة الحقيقية فيها، بل اقتصر الأمر على تصريحات صحفية، ونشر محدود في بعض الصحف اليومية من بعض المسؤولين في الوزارة، وكان الأولى أن تكون هناك برامج في وسائل الإعلام المختلفة عن هذه الاختبارات قبل موعدها لتحقيق أهداف هذه الاختبارات، كما أن توقيت تنفيذها كان غير مناسب؛ لأنه تم عقدها قبل نهاية الفصل الدراسي بوقت قصير جدا، وهذا توقيت غير جيد من جانبين: الجانب الأول أن كثيرا من الطلاب بدأ في الغياب من المدارس لقرب نهاية العام والاختبارات، والجانب الآخر أن بعض الطلاب بدأ في الاستعداد للاختبارات النهائية، وهذا قد يؤثر بدرجة كبيرة على النتائج التي سيتم التوصل لها خاصة إذا كان الهدف من هذه الاختبارات التحصيلية هو معرفة الواقع الفعلي لتعليم، وتعلم هذه المقررات، وتحصيلها، أما الملحوظة الأخرى فهناك عدد كبير من الطلاب لم يدركوا الهدف من هذه الاختبارات التحصيلية، وآليات الإجابات عنها، ولم يدركوا آلية استخدام نماذج، أو أوراق الإجابات الخاصة بالتصحيح الآلي، وهذا قد ينعكس على جدية الطلاب، واهتمامهم ومن ثم قد تتأثر مصداقية النتائج التي يتم التوصل إليها، وقد يتم التوصل إلى نتائج لا تعكس الواقع الحقيقي.
أما الملحوظة الأخرى التي صاحبت تطبيق هذه الاختبارات فتتمثل في أن بعض المدارس لم تدرك أبعاد هذه الاختبارات، وكان لديها نوع من التخوف من إخفاق طلابها، وحصولهم على درجات منخفضة قد تسيء للمدرسة، ولذلك عمد بعض المراقبين من المعلمين إلى مساعدة الطلاب في الإجابات تعاطفا مع الطلاب، وقدموا لهم بعض التسهيلات، أو المساعدات في هذه الاختبارات، وهذه التصرفات من بعض المعلمين غير مقبولة، وقد تكون عن حسن نية، وهذا التصرف لا يسهم في تحقيق أهداف هذه الاختبارات، بل ستعطي نتائج غير حقيقية ولا تعكس الواقع الذي نحن نبحث عنه، ونريد التعرف عليه، ويكون نقطة بداية لانطلاق التطوير الحقيقي للتعليم، وكان يتوقع من هؤلاء الذين قدموا هذه المساعدات أن يكونوا واقعيين، ويحاولوا أن تظهر النتائج بشكل يعكس الواقع؛ لأننا نريد أن نعرف الواقع بكل شفافية، ووضوح لكي تتمكن الجهات المسؤولة في وزارة التربية والتعليم من الحصول على نتائج حقيقية تقودهم لاتخاذ القرار المناسب حيال التطوير المطلوب. أما الملحوظة التالية على هذه الاختبارات فتتمثل في عدم جدية الطلاب في الإجابة عن هذه الاختبارات، وذلك لأنهم غير مدركين للهدف منها، كما أن بعض المعلمين يشجع الطلاب على تظليل أي إجابة في ورقة الإجابات من دون دفعهم لتحري الإجابات الصحيحة، وهذا قد يشجع كثيرا من الطلاب على التخمين في الإجابات من دون المشاركة الحقيقية في هذه الاختبارات، وبذلك قد تكون هناك نتائج لا تعكس الواقع الذي هو الهدف الرئيس من هذه الاختبارات.
والمأمول من القائمين على هذه الاختبارات أن يراعوا العوامل الأخرى التي قد تؤثر على تحصيل الطلاب، ولا تكون الدرجات هي المؤشر الوحيد الذي يعتمد عليه في اتخاذ القرار؛ حيث إن تحصيل المـتعلم يتأثر بعدد من العوامل غير المناهج، أو أساليب التقييم، أو التدريس، فهناك عوامل متعلقة بالمتعلم وأثبتت العديد من الدراسات على مختلف المستويات (المحلية، والإقليمية، والعالمية) أن لها تأثيرا مباشرا على تعلم، وتحصيل الطلاب مثل مستوى الأسرة التعليمي، والمستوى الاقتصادي لأسرة المتعلم، والمستوى الصحي، وبذلك لا بد من أخذ هذه العوامل في الحسبان، وألا تكون درجات هذه الاختبارات وما عليها من ملحوظات هي المرتكز الأساس في صنع القرار، كما أتوقع من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم أن يخططوا لعقد ورش عمل، ولقاءات يشارك فيها أولياء الأمور، والمتعلمون، والمعلمون، والمشرفون، وجميع المهتمين بالمجال التربوي، وفي هذه الورش يتم عرض ما تم التوصل إليه من نتائج، وبنوع من الشفافية، ويتم خلال هذه اللقاءات التعرف على وجهات نظر المشاركين فيها حول هذه النتائج، والاستماع لمقترحاتهم، وآرائهم حيالها، ومن ثم جمع ما يتم التوصل إليه، والخروج بمعلومات قد تسهم في مساعدة صانعي القرار في تحديد الاتجاهات التي يجب الانطلاق إليها بهدف تطوير وتجويد التعليم العام الذي كثر حوله الكلام، وتدنت مستويات مخرجاته، وقد يكون من المناسب أن تستعين وزارة التربية والتعليم ببعض المتخصصين في المجالات التربوية مثل: التطوير التربوي، والمناهج، والتقييم، وطرائق التدريس من الجامعات السعودية للمشاركة في مناقشة وتحليل النتائج التي يتم التوصل إليها، ولا يوكل الأمر إلى منسوبي الوزارة بشكل كامل، فالمشاركة الخارجية قد تعمل على زيادة مستوى الجودة، وتحقق الشفافية، وتسهم بآرائها، وخبراتها في التوصل إلى التوصيات المناسبة وبصورة قابلة للتطبيق.