في الفضاء المفتوح الآن ما يزيد على 70 قناة دينية، تتوزع بين طوائف المسلمين على خارطة الشرق الأوسط، ولأنه يتفرع عن كل طائفة تيارات وأحزاب ومذاهب، فقد توالدت هذه القنوات وتكاثرت في فترة قياسية. لكن أسئلة ينبغي لها أن تطرح: هل في كثرة هذه القنوات فائدة لأتباعها ومناصريها من كل مذهب ومشرب؟ ما هذا التوالد الانشطاري الرهيب لهذه القنوات؟ والأهم من ذلك: هل هناك قاسم مشترك بين مختلف هذه الفضائيات؟
الإجابة عن السؤال الأخير تختصر المسافة للوصول إلى إجابات مقنعة حول السؤالين الأولين.
في مختلف هذه القنوات نلحظ تشابها واضحا يتعلق بلغة الخطاب السائدة فيها، والتي تقوم على رفض الآخر وإقصائه وتكفيره، بل وتحميله وزر ما تعانيه الشعوب المسلمة من تخلف وتقهقر، كل فريق يرمي خصمه بتهم التطرف، والانحراف العقدي، والضلال عن المنهج الحق كما يردد ذلك على الشاشة رموز هذه التيارات والمذاهب التي يصعب حصرها.
ما عليك إلا التنقل بين هذه الفضائيات، وما يخزن منها على يوتيوب، لترى كيف يستدعي كل تيار تراثه الضخم، ومدارسه المتعددة، ويلوح بنصوصه وأدلته ومآثر سلفه كالسيف في وجه خصمه. وفي ذات الوقت يستحضر كل تيار حججه وبراهينه لانتقاد منهج هذا الخصم، وإثبات علله وزيغه في فهم النصوص وتأويلها. كل فريق يجيش الأتباع والمناصرين، بل المؤيدين والحانقين على السواء، في متوالية لا تنتهي من داء التعصب والفرقة، والصراع على هذا الدين العظيم.
يستخدم رموز هذه المذاهب والتيارات في قنواتهم الدينية ذات الأدوات التقليدية في نفي الآخر، ومحاولة تصفيته، ويرفضون بناء جسور تواصل بين شعوب هذه الأمة الممزقة.. بل إنهم لا يراعون الله وهذا الدين الذي يتحدثون باسمه عندما يجيش كل منهم أتباعه حقدا وكراهية وإقصاء ضد الآخر.. فمن المستفيد من كل ما يحدث؟