من عجائب الإنسان أنه إذا أراد شيئا من الأمنيات ثم حصل عليها ملها، وطلب غيرها، أو أكثر منها وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى ثالثا، فالنفس الإنسانية دائمة التطلاب لما لم تحصل عليه ولم تصل إليه وليس هناك من شيء أن يسد فقرها وحاجتها إلا أن تصل إلى ربها ومعبودها، فماذا يتمنى محارب علماء هذه الأمة. عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يقبض العلم، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، فقلنا له: وما الهرج؟ قال: القتل. فلما سمع عمر بن الخطاب قوله: يقبض يأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ليس ذهاب العلم أن ينزع من صدور الرجال، ولكن ذهاب العلم ذهاب العلماء. أخبرنا الملائي، عن جعفر، بهذا الإسناد مثله، وقال: فناء العلماء.
وقد نرى في هذا الوقت بعض الأقلام التي قتلت علماءنا بكثرة النقد والتجريح وآخرها ما نشره أحد الكتاب عن الشيخ العريفي بعد ذهابه إلى مصر وأنه ليس بذلك العالم الخارق الذي تحتاجه أم الدنيا ولا نعلم هل كانت مصر بحاجة إلى معجزة من العريفي حتى تستقيم برأي الكاتب. للأسف الشديد أن ما أتى به الكاتب يرفضه الغيور على دينه وأمة الإسلام بعدما هالنا به من تخدير وتشكيك في شيخ فضيل كرس وقته وجهده في خدمة الدين ونشر العلم وحتى إن حدث نوع من الاختلاف لا ترمى إليه هذه القذائف ونحن أمة واحدة فلماذا التعسف ولماذا التشدق من قبل الكاتب على الشيخ وكأن الكاتب عالم وحبر هذه الأمة. قال تعالى (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) في ظلال هذه الهداية تطيب الحياة، ويهنأ الأحياء، وأولى الخطوات نحو هذه الحياة الراشدة الهنيئة إيجاد الفرد المسلم الصادق الذي تتمثل فيه صورة الإسلام الوضيئة المشرقة، ويراها الناس فيرون الإسلام، ويتعاملون معها فيزدادون إيمانا به وإقبالا عليه. وهذا ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الدعوة، إذ كانت أولى خطواته في درب الإسلام الطويل أن يصنع رجالا يتجسد فيهم الإسلام، فإذا هم مصاحف تمشي على الأرض، انتشروا في أنحاء الدنيا، فرأى الناس فيهم نماذج من البشر، يمثلون منهجا للحياة فريدا أيضا، فلما رأوا المنهج الفريد مجسدا في الفرد المؤمن الصادق أقبلوا يدخلون في دين الله أفواجا. والإنسانية اليوم، والمسلمون على وجه الخصوص، في أمس الحاجة إلى صنع هذا النموذج الفريد من البشر الذي لا تطيب الحياة إلا به، ولا تسود القيم الإنسانية الرفيعة إلا بوجوده، ولا تتجلى حقيقة الإسلام إلا فيه. ولكن وللأسف الشديد وجدنا من يحارب هذا النموذج ويطلق سهم قلمه عليه ليخترق جهوده ويضلل من كان في حاجة إلى دعوته إلى طريق آخر فنراه يزعزع توجه علماء هذه الأمة ويشكك بهم لمصلحة قلمه ولإظهار رأيه إذ لا يهمه الفكر الإسلامي بقدر ما يهمه توجه فكره المنحرف إلى دروب هلاك شريعة الله، فهيهات من هذه الهمة التي زرعها الكاتب في محاربة العلماء، حيث إن عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته وتحقيق بغيته، لأنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره وأن المصالح والخيرات واللذات والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يعبر إليها إلا على جسر من التعب.
إن ما يوقع بعض الكتاب في مثل هذه الهنات والمخالفات هو الانشغال والغفلة عن التوجه الصحيح حيث لا أدلة لديهم بما يكتبون لتكون محصلتهم النهائية التخبط والتناقض الواضح متجاهلين الخطأ الأكبر الذي يقع عليهم وهو محاربتهم العلماء وهذا ما لاحظناه في بعض المقالات.