ينظر النظام الاستبدادي في إيران إلى الحماس الشعبي الذي يسود الأجواء الانتخابية على أنه خطر على الأمن العام والنظام الحاكم، فقرر ببساطة أن يقلص المشاركة الشعبية

بقي حوالي شهر على الانتخابات الإيرانية، وأصبح التشويش على خدمات الإنترنت والرسائل النصية شيئا عاديا. السيطرة على الإعلام الاجتماعي والاتصالات الهاتفية ستكون عادية خلال فترة الانتخابات، خاصة هذه الانتخابات بسبب ما حدث في الانتخابات الرئاسية الماضية.
لا الشعب ولا النظام نسوا الأحداث والاضطرابات التي أعقبت انتخابات الرئاسة الإيرانية منذ 4 سنوات. الصور القلقة للأشخاص الذين كانوا يحتجون ضد نتائج الانتخابات لم تغادر ذاكرة الشعب بعد.
أمام أعين ملايين المشاهدين، قامت قوات الأمن الإيرانية بضرب متظاهرين بقسوة وعنف وقتلت بعضهم. ذكرى تلك الفتاة البريئة، ندى آغا سلطان، التي قتلت برصاصة قناص هي إحدى الصور التي لا يمكن أن ينساها من رآها. شبكة الإنترنت ساعدت المتظاهرين على توزيع مشاهد المظاهرات والقمع الوحشي الذي كانت تتعرض له، وأصبح المواطن الصحفي مع كاميرا هاتفه الجوال؛ المصدر الأول للمعلومات في غياب أجهزة الإعلام العالمية. ولذلك فإن هناك مؤشرات عن احتمال إبطاء شبكة الإنترنت، أو حتى إغلاقها، حتى لا يتمكن الناس من استخدامها لتوزيع المعلومات كما حدث سابقا.
اليوم، ينظر النظام الاستبدادي في إيران إلى الحماس الشعبي الذي يسود الأجواء الانتخابية على أنه خطر على الأمن العام والنظام الحاكم، وقرر النظام ببساطة أن يقلص المشاركة الشعبية. ففي جميع أنحاء العالم، يتواصل المرشحون مع الناس من خلال حملات انتخابية قبل أشهر من الانتخابات. أما في إيران فإن فترة التواصل أقصر بكثير.
من ناحية أخرى، قرر مجلس صيانة الدستور تمديد أعماله خمسة أيام أخرى قبل إعلان أسماء المرشحين المقبولين. وقد لا يتمكن المرشحون من بدء حملاتهم الانتخابية رسميا قبل 25 مايو. وبما أن الانتخابات ستتم في 12 يونيو، فإن فترة الحملات الانتخابية للمرشحين ستكون أقل من 3 أسابيع.
الجو الحقيقي السائد حاليا هو مزيج من اللامبالاة والخوف. لا يستطيع أي من المرشحين تحريك الناس لأنهم لا يمتلكون كاريزما قيادية كافية، وليس لديهم الوقت الكافي لإيصال أفكارهم إلى أفراد الشعب. إذا كان الإصلاحيون يدعمون هاشمي رفسنجاني فليس لأنهم يحبونه، ولكنهم يدركون أنهم إذا خسروا هذه الانتخابات أمام المحافظين فسيكون أمامهم 8 سنوات أخرى قبل أن يصبح لديهم أمل جديد في الوصول إلى السلطة.
قد يتمكن أصفهندار مشائي من القيام بشيء ما، ولكن ليس من المؤكد بعد فيما إذا كان مجلس صيانة الدستور سيصادق على ترشيحه. ولكن في جميع الأحوال سيواجه مشائي معارضة قوية من رجال الدين في قم.
الرئيس أحمدي نجاد ـ الداعم الرئيسي لرحيم مشائي ـ تجاهل رجال الدين على مدى سنوات ودخل معهم في صراعات كانت في كثير من الأحيان معلنة. فوز مشائي في الانتخابات الرئاسية يعني أن المعركة بين الرئاسة وبين رجال الدين في قم سوف تستمر، أما رفسنجاني فإنه سيتمكن على الأغلب من التوصل إلى تسوية مقبولة مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وبالتالي مع رجال الدين المتشددين. لذلك فإن رجال الدين في قم سوف يقفون على الأغلب مع رفسنجاني إذا اضطروا للاختيار بينه وبين مشائي.
من جانبهم، رجال الدين في قم لديهم مشاكلهم الخاصة مع جميع الأطراف، بما في ذلك المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي نفسه، وخاصة ضمن رجال الدين الأكثر تشددا من أمثال آية الله جنتي.
هناك تركيز كبير حاليا من قبل جميع المرشحين المحتملين، سواء كانوا من المحافظين المتشددين أو الإصلاحيين أو غيرهم، على الخيارات الأفضل للسياسة الخارجية الإيرانية وسط كل ما يجري في المنطقة من أحداث، وفي مواجهة القوى الغربية بشكل خاص. هل هناك شخص مؤهل أكثر من المرشد الأعلى يستطيع أن يهتم بالملف النووي الإيراني وبالدبلوماسية الإيرانية الخارجية؟ ما هي الوعود الكاذبة التي سيقدمها المرشحون الرئاسيون للشعب؟ كيف يستطيع رجل مثل هاشمي رفسجاني أن يتولى أعباء الرئاسة الثقيلة - من عمل مجهد وساعات عمل طويلة وسفر خارج البلاد - وهو يبلغ 78 عاما من العمر؟ ربما كان رفسنجاني يخطط لتشكيل حكومة قوية وقادرة تعمل بدلا عنه عندما لا يتمكن هو من ذلك، وربما يتحول إلى مجرد رئيس رمزي تنحصر مهمته في تصحيح بعض الخطوط العامة في توجهات السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية. لكن عامل العمر يلعب بالتأكيد ضد أكبر هاشمي رفسنجاني وفي صالح رحيم مشائي. مرة أخرى، كل هذا يعتمد على مصادقة مجلس صيانة الدستور على ترشيح هذين الرجلين أو أحدهما. أما المرشحون الآخرون للرئاسة الإيرانية فإنهم يفتقدون للشخصية المستقلة، ولذلك يبدون خدماً للمرشد الأعلى خامنئي أكثر منهم رؤساء مستقلين.
محمد جعفر بهداد، المستشار السياسي للرئيس أحمدي نجاد، كتب مقال رأي في صحيفة (إيران) حذر فيه رجال الدين المتشددين من الاستمرار في مهاجمة الرئيس أحمدي نجاد وحكومته ومساعديه وإلقاء اللوم عليهم في جميع المشاكل التي تمر بها البلاد واعتبارها نتيجة لسوء إدارتهم. يضيف بهداد: أقول لكم إنكم لن تحصلوا على حكومة أفضل من خلال مهاجمة أحمدي نجاد، وطالبهم بتخفيف هجومهم على مشائي الذي يؤيد نجاد ترشيحه.
ما يريده الناس هو الحصول على اقتصاد أفضل واحترام أكثر لإيران في المجتمع الدولي. ربما يكون الذين خارج إيران أكثر اهتماما بنتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية من الشعب الذي يعيش داخل إيران. الشعب الإيراني يعرف جيدا أن الكلمة الفصل هي للمرشد الأعلى علي خامنئي بغض النظر عن الفائز في الانتخابات. ومع ذلك فإن شخصية الرئيس الإيراني قد تلعب دورا بارزا في تغيير اتجاهات السياسة الإيرانية شريطة أن يكون ذا شخصية قوية مستقلة وصاحب قرار حازم، خاصة أن هذه الانتخابات تأتي في ظرف دقيق للغاية بالنسبة لإيران.
إنها أيام حاسمة ينتظرها الشعب الإيراني بفارغ الصبر.