في فاصلة من ثلاثة أيام نحسات بين 6 أوجست و 9 أوجست من عام 1945 ألقى الأمريكيون قنبلتين على مدينتين يابانيتين هما هيروشيما وناجازاكي، كانتا جيلا جديدا من القنابل لاعهد للجنس البشري بهما من قبل، وكانتا خيرا من جهة، وشرا لواحة للبشر لا تبقي ولا تذر من جهة أخرى، فكان الجدل مضاعفا فيما حدث في ذلك الصيف الكئيب من عام 1945م.
فأما الشر فالقتل والهرج والمرج الذي لم يعهده البشر أن يقتل في دقائق مئات الآلاف من الأنام.
وأما الخير من جهة أخرى وهو أمر عجيب في جدل التناقض، فهو أن القتل أوقف القتل، والقوة ألغت القوة، وهذا الاستفحال في الشر فعل ما يجري في الرياضيات في ضرب السالب بالسالب (- x - = + ) فتكون النتيجة موجبا، فعندما نضرب ناقص خمسة في ناقص خمسة فإن النتيجة تكون زائد خمس وعشرين.
وفعلا فمنذ ذلك الحريق النووي في صيف عام 1945 م وصل العالم إلى حواف خطيرة جدا، ولكن السلاح النووي لم يستخدم إلا مرة واحدة، مما جعل الاستراتيجيين النوويين مثل بيير غالوا ينادون بفكرة الردع المتبادل، ولعل إيران تطمع إلى شيء من هذا القبيل في الشرق الأوسط فتكون سيدة الموقف، كما حدث في شبه القارة الهندية، فبعد الحروب المتتابعة بين الهند وباكستان، فإن الحافة النووية لجمت الوحشين في قفصهما من الانطلاق، وبذلك ولد السلام من أتون الحرب وهو أمر يقول ما يقوله القرآن من أن الشر الذي يبدو شرا ليس من المؤكد أنه شر، وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
وفي هذا ذهب المفكر جودت سعيد إلى أن وقت الحروب ولى وأن السلاح رمي وأن السلام تدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، ولكن هذا في تقديري وهم كبير يجب أن يطوق بالفكر العلمي من جهتين، لأن حماقة البشر ليس لها حدود، وقد تندلع حرب نووية ونحن شهود لها بين إسرائيل وإيران، لأن كلا البلدين أيديولوجيا لايؤمنان بالحوار والمفاوضات وكسر النزاعات بالحلول الوسط، ولهذا فالعقل العلمي هو الذي يفتح المستقبل على كل الاحتمالات، ولا يسبح في الوهم والأوتوبيا التي لن تتحقق في هذه الأرض، فالآخرة هي مكان الرحمة والسلام والعدل، كما جاء في محكم التنزيل لا ظلم اليوم!
مع هذا فإن التطور الكوني حتى اليوم فيه مؤشرات جدا إيجابية تستحق المراهنة عليها، وغاندي كان يرى أن العدل والعناية الإلهية هي التي تسيطر أخيرا مهما تلبست روح الظلم والشيطان النفس البشرية.
حين تحدث القرآن عن أول صراع تم بين ولدي آدم، فقتل أحدهما الآخر افتتح التاريخ بأول جريمة، ولم تكن الأسلحة متطورة، فربما قتله بعصا غليظة، وحجر صوان صلد؟ لانعرف تماما؟
ولكن الشيء الأكيد الذي نعرفه هو أن الإنسان قفز إلى عتبة جديدة في تعامله مع أخيه الإنسان؛ فاخترع شيئا جديدا لاعهد للإنسان به، وهو القتل من أجل القتل؟!