الإنسان بطبعه يسير نحو البحث عن الحياة الكريمة والاستقرار، لكن تبقى لنا قرارات الالتزام الشخصية، بفهم توازننا وأهدافنا فهماً جيداً ومراجعة أنفسنا في تناغم مع قيم (الفكر، العاطفة، الجسد والروح)
بينما كان يقود سيارته على طريق سريع، وجد مؤشر الوقود فجأة يشير إلى وجود نقص وأنه سينفد بعد قليل، حاول تجاهل الإشارة ليكمل طريقه وكأن شيئا لم يكن، انزعج بشدة من تكرارها حتى تذمر تفكيره في كيفية التخلص منها لأنها قد تعطل مسيرته.. وبينما هو كذلك توقفت السيارة عن السير تماما؛ الوقود نفد ببساطة!
وحطّابٌ في غابة مجهدٌ ومنهمكٌ في قطع إحدى الأشجار الكبيرة، لم يهتم بقطرها وبالوقت المستغرق لقطعها.. مر به أحدهم وهمس له برأفة لِما رآه.. إنك تبدو مرهقاً؛ فكم مضى عليك من الوقت وأنت تقطع هذه الشجرة.. فرد الحطاب: أكثر من خمس ساعات استهلكت قواي ولكن العمل الشاق هكذا! سأله: حسناً لماذا لا تستريح بضع دقائق لتشحذ منشارك، لعلك لو فعلت، فسيقطع المنشار الشجرة بسرعة أكبر، وتختصر الوقت والجهد بدلاً من أن تهدره؟، فأجابه الحطاب متذمراً: دعني وعملي أرجوك لا تضيّع وقتي فأنا مشغول وليس لدي الوقت الكافي لك ولشحذ المنشار!
في القصتين المشهورتين، أصرّ السائق على تجاهل الإشارة الهامة لنفاد الوقود، وفي الثانية استهلك الحطاب قواه لأن (حد) المنشار قد لا يستطيع قطع الأخشاب بفعالية مع كثرة الاستعمال.. وفي النتيجتين تخبط وتوقف للجهد والسير والهمّة..
كثيرٌ منا يشتكي من رتابة الحياة ومللها وكثرة صراعاتها نحو الكرامة المأمولة، فإيقاع الحياة وما يفرزه من أعباء متنوعة سواء اجتماعية أو اقتصادية أو مهنية أو تويتر..ية .. أورثت جميعها أنواعا من الكآبة والقلق والاحتقان وعدم الرضا؛ ونحن شركاء وسبب كبير يتحكم في ذلك لأن حياتنا (نحن) من صنعها وجعلها متسارعة مفتونة.. لتكوّن أزمات متعددة ومحفوفة بممارستنا التي نقلتنا إلى غياهب حياة مادية زائفة بكل معانيها، فأثرت نتائجها علينا وعلى صحتنا وقوالب تفكيرنا جموداً واحتقاناً، وتركت النفس عرضة للضمور وتراكمات من هموم الحياة ومتطلباتها بل استنزافها حتى الأسر، وتلك أسفاً غدت جزءاً من منظومة الأنموذج الحيّ للسايكلوجيا العامة لحياتنا ومجتمعاتنا الحديثة التي نخشى أن تغدو جينات نورثها لتختلط في خلايا الأمس، وتراوح اليوم والغد!.
ولأننا نشترك كل ساعة في ضغط أنفسنا والمحيطين بنا، فهذا يدعو مجتمعنا إلى (تجديد حياتنا) لعلها تخلصنا من شظف الحياة الزائفة والضغوط النفسية وكدرها المتكرر، ومن آثار الضحك على الذقون في كل الاتجاهات؟!.
فممارسة (صيانة) الحياة وشحنها يمدنا طاقة وتجديداً ومراجعةً للنفس نحو تطوير أنفسنا وصنع أهداف جديدة وبوقود متجدد، يقول محمد الغزالي في كتابه جدد حياتك: ما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والحين، وأن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها، وأن يرسم السياسات القصيرة المدى، والطويلة المدى، ليتخلص من الهنات التي تزري به...
مجتمعنا بحاجة إلى صيانة دورية ذاتية بمنح وإعادة تشكيل الحياة ومحاكاة الواقع أو تغييراً لإدراكه أو حتى فهمه، ثم بعد ذلك إكمال سيره كما يشاء، تلك قد تكون متعة حقيقية نحو الحياة التي نحياها لتحقيق غاية ندركها وتبلغ من أنفسنا مبلغاً.. فالإنسان بطبعه يسير نحو البحث عن الحياة الكريمة والاستقرار، لكن تبقى لنا قرارات الالتزام الشخصية، بفهم توازننا وأهدافنا فهماً جيداً ومراجعة أنفسنا في تناغم مع قيم (الفكر، العاطفة، الجسد والروح) نحو الحياة التي نعيشها لتمدنا بطاقة تسهل علينا عند التوقف الدوري ومراجعة النفس من أجل صنع أهداف جديدة وبوقود متجدد يحملنا نحو الرضا في حياتنا، نحو تطويرنا، وبناء مستقبل وطننا وأجيالنا للبدء في مرحلة تحمل بين دفتيها الرضا والاستقلالية والفائدة، وكما يقول آرثر كريستوفر: إعادة تعديل مساراتنا أمر شاق، ولكن معظمنا في حاجة إلى القيام بذلك من آن إلى آخر.
باختصار، امنحوا أنفسكم إجازة قصيرة بعد عناء النفس وكدرها وإفرازات الحياة وتراكماتها.. اجلس وحدك، راجع نفسك ، دوّن ما تريد.. اجعل ذلك بنظرة رضا تبرز جانبك المشرق، ونظرة سخط نحو جانبك المظلم كذلك، ركز النظر في كل محاسن وطنك مجتمعك نفسك.. حبرها في نفسك، حتى نكون أكثر تفاؤلا وبالتالي أفضل صحة ومستقبلاً وحياة.. وذاك سببٌ لتوقفي مؤخراً عن الكتابة، شحذاً لقلمي وتجديداً له.. فدمتم بحياة متجددة.