هذا الإنجيل كما سمعت وقرأت هو أصح الأناجيل التي كتبت عن الديانة المسيحية، ولكنه محارب من الإكليروس والكنيسة وغير معترف به، بل وينكرون أن كاتبه (برنابا) كان من حواريي المسيح عليه السلام!
ومنذ مؤتمر (نيقيا) في منتصف القرن الرابع الميلادي الذي اعترف بالديانة المسيحية، ديانة للشعوب الأوروبية، والثالوث إلى جانب ألوهية المسيح حيناً وبنوته لله أحياناً ـ تعالى الله ـ واللاهوت مكرّس في هذا القرار الذي تمخض عنه المؤتمر، مع أن هذه المزاعم تخرج الديانة المسيحية/ النصرانية كلها من الوحدانية إلى الشرك والهرطقة، ولا تجعلها بالتالي ديانة سماوية من الديانات التوحيدية المعروفة كاليهودية والإسلام.. مع أن اليهودية حُرفت كذلك ومعظم اليهود يؤمنون بأن (يهوه) هو إلههم وحدهم وليس الله سبحانه وتعالى رب العالمين.
ويبدو أن الشيطان قد ركب اللاهوت المسيحي ورجال الإكليروس النصارى منذ ذلك المؤتمر وحتى اليوم وربما للغد البعيد! مما جعل الديانة هذه وباعتراف الفاتيكان قبل أشهر تتراجع إلى 17.5% ويتقدمها الإسلام بنسبة 19% في العالم! بل إن هذه النسبة لتقدم الإسلام وانتشاره ترتفع تدريجياً يوماً بعد يوم وبقوة ستجعله قريباً دين الأغلبية في العالم.
أعود إلى قصتي للتعرف على هذا الإنجيل والحصول عليه، فقد كنت بعد تقاعدي المبكر من التعليم أستقر في القاهرة وأدرس الماجستير في علم الاجتماع بمعهد البحوث والدراسات العربية منذ عام1991، وذهبت يوماً لمكتبة قديمة قُرب الجامع الأزهر، وطلبت نسخة من هذا الإنجيل، وبعد تفتيش طويل في سرداب المكتبة العتيقة، أخرج لي البائع نسخة قديمة باهتة مترجمة بواسطة خليل سعادة لإنجيل برنابا، ولما قلبت صفحاتها وجدتها سيئة الطبع والخط والصف الطباعي وكذلك الورق! وقال لي البائع بعد اعتراضي على النسخة: إن حظي جيد، لأنني وجدت هذه النسخة، فقد تعودت الكنيسة أن تبعث للمكتبات بمندوبين يشترون كل النسخ المتوفرة ثم يحرقونها في مكان ما! فعجبت من حرية التعبير وسعة الصدر الذي يتمتع به رجال الإكليروس الكنسيون، في كل زمان ومكان! وتذكرت محاكم التفتيش المسماة زوراً (محاكم الإيمان) التي كانت تحرق الكتب والفلاسفة في العصور الوسطى في أوروبا بحجة الهرطقة! وهي من الحجج الواهية للإرهاب الديني في التاريخ.
وسمعت بعد ذلك أن هذا الإنجيل قد طبع طبعة جيدة محققة في الكويت، ولم أستطع الحصول على تلك النسخة، ووجدت في مطار بيروت قبل سنوات قليلة -وكنت عائداً لبلادي- نسخة مصورة ومجلدة من ذلك الإنجيل، وهي نفس النسخة التي عندي ولكنها أجود ورقاً وأوضح مع أن خطّها واحد ولنفس المترجم، فاشتريتها، وكانت مصورة من النسخة القديمة.
ثم وجدت في لبنان كتاباً في مجلد واحد قدم له التونسي الهادي جطلاوي كتفسير ودراسة لإنجيل برنابا فاشتريته، وأرسل لي قبل فترة أحد الأصدقاء بالإيميل نسخة حديثة وجيدة الطبع لهذا الإنجيل وبالنص الذي ترجمه من الإنجليزية سنة 1908 الدكتور خليل سعادة، وهي الطبعة العربية الأصلية بعناية وطبع مطبعة المنار بمصر قبل أكثر من 100 سنة وبتقديم السيد محمد رشيد رضا منشئ مجلة المنار، وهو عالم سلفي معروف هاجر من طرابلس – لبنان – واستقر به المقام في مصر في أوائل القرن العشرين وله مؤلفات ومقالات وصولات وجولات في الدعوة والصحافة ويعد زعيماً دينياً في وقته، وكتب هذه النسخة على (النت) ونسقها وأعدها جيداً م. أحمد جبر عبد ربه.
الطبعة التونسية التي أشرت إليها آنفاً محققة ومترجمة عن النص الأصلي بعناية الأساتذة: الهادي جطلاوي عميد كلية الآداب بتونس وقد وضع المقدمة كما أشرت سابقاً، وعلي المخلبي وضحى الخطيب وعفاف موفو. وتقع هذه النسخة في 533 صفحة مع الملاحق وهي الطبعة الثانية عام 2008 وطبعت في دار الفارابي بلبنان وهي طبعة أنيقة وممتازة.
وبعد الاطلاع على هذا الإنجيل تبين لي بما لا يدع مجالاً للشك أن (برنابا) رحمه الله، كان صادقاً فيما كتب ونقل عن المسيح عيسى بن مريم، عليه السلام، وأن هذا الإنجيل يمثل فعلاً الديانة النصرانية الصحيحة كما أنزلت على المسيح، وقد نقل وأوضح بأنها ديانة توحيدية، ونفى الألوهية للمسيح وأسطورة الصلب والصليب، كما أورد نبوءة (محمد) صلى الله عليه وسلم، وظهوره فيما بعد كرسول ونبي في بلاد العرب.
ولعل من أطرف ما ورد في هذا الإنجيل؛ ما أورده (برنابا) وهو كشاهد عيان لأكذوبة الصلب، بأن الشبه الذي وضعه الله في المارق يهوذا الأسخربوطلي، وهو أحد اليهود الحواريين الذين خانوا عيسى ووشوا به للحاكم الوثني الروماني وتآمروا عليه، فانتقم الله منه بالصلب ورفع عيسى للسماء فلم يقتل ولم يصلب، حسب إنجيل برنابا، وحسب نص القرآن الكريم وهو كلام الله الذي نزل فيما بعد، لكن الطريف في القصة أن تطابق شبه يهوذا المارق هذا مع السيد المسيح، جعل أم عيسى (مريم العذراء) عليها السلام، تصدّق – مسرحية الصلب - وتبكي على ابنها بحرقة عندما شاهدته على الصليب، حتى تبينت لها الحقيقة فيما بعد!
إنجيل برنابا هو بلا ريب صك براءة للديانة المسيحية وللمسيح وأمه، مما أدخله رجال الدين (الإكليروس) على هذه الديانة وصاحبها من تحريف وهرطقة وصلت إلى درجة الكفر والشرك، وتجعل معظم -إن لم يكن كل ـ المسيحيين الحاليين مشركين وكفرة بما أُنزل على السيد المسيح من تعاليم ربانية، لأن كل الأديان السماوية، إذا لم تدعُ إلى التوحيد وعبادة الله، فما الفائدة منها؟