أواخر السبعينيات الميلادية كانت صحيفة مكة (الندوة) حاضرة في قلب المشهد السعودي بألق يعكس سياقات تلك المرحلة واستحقاقاتها. كان حضورها قويا (على الأقل بالنسبة للمكيين) وكان من ركائز تلك القوة والتألق، شاب نحيل، في العشرينات من عمره، يمثل دينمو إبداعية للصحيفة،
فغدا أحد نجومها، وحين كان يأتي الخميس كيوم فاخر الجمال والتخفف، كان ذلك الشاب يعلو بهاء (على ضفاف الخميس) كانت الصفحة ذات الاسم الرومانسي هي الصفحة التي شحذ في حقولها منجله ليقدم التجربة الأولى في الصحافة السعودية – كما يقرر المنصفون – لصفحة شعبية، تحمل اختلافا رؤيويا وهما إبداعيا حقيقيا وحسا مهنيا عاليا وغير اعتيادي. كانت صفحة فرح وقلق.
فرح للقراء في تعاطيهم مع طرح يسعى للاختلاف، وقلق للصحيفة، لما تنطوي عليه دواخل عبدالله من توتر وعنف داخلي، يترجم لجمال رافض، ومتسائل ومسائل.
ولد عبدالله باهيثم رحمه الله في مكة المكرمة 1376هـ، وتقاسمت مدينتا مكة والطائف طفولته، حتى تخرج في قسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية جامعة الملك عبدالعزيز شطر مكة (جامعة أم القرى حاليا) لينخرط في التعليم العام معلما للغة الإنجليزية منذ 1399هـ. جامعا بين التدريس والاحتراف الصحفي.
انبثق كشاعر موهوب يجيد ببراعة كتابة القصيدة التناظرية في كلاسيكيتها الفصحى، وفي لهجتها المحلية، بلكنتها البدوية.
لكنه لم يول براعته الشعرية حقها، حيث طغت المهنية الصحفية على اهتماماته، وكان بارعا فيها.
بعد أن قضى وقتا مع النجاح في الندوة، انتقل إلى جدة 1985، مستقرا في القسم الثقافي بمجلة اقرأ ليشكل مع زميله الناقد فايز أبا واحدا من أقوى الأقسام الثقافية في الصحافة السعودية طيلة حقبة الثمانينيات.
في التسعينيات، كان قد قضي الأمر، اقتربت نهايات قرن، دخلنا أجواء إرهاصات العولمة، وكانت أولى علاماتها دخول البث الفضائي التلفزيوني، وفتح باهيثم أولى بوابات محطة الرحيل.
تعددت البوابات وتداخلت حد التشابك، وبدا أن المتغيرات الكونية التي تسارعت وتيرة حدوثها، لم يحتملها لا وعيه الشقي، ولا شفافية روحه التي تقلبت في جمر ما طرأ من تغيير، سواء على حياته الخاصة، أو على المستوى الكوني عامة.
فتجلى القلق على قدمين يمشي، تحملان جذوة إبداع آخر، يشتعل من طرف ومن طرف آخر مواز يذوي. في هذا العقد، نضج باهيثم ناثرا، وكتب أجمل نصوصه الشعرية، وقصصه الصحفية.
كان مفتونا منذ الثمانينيات بالصحفي اللبناني نبيه البرجي أحد أجمل من كتب القصة الصحفية في الصحافة العربية. لكنه كان واعيا تماما لمسألة أن يكون باهيثم، لا البرجي.
في هذه المرحلة هجا عبدالله أقرب المقربين إليه، حلق بعيدا وحيدا نافرا في سماء خاصة جدا. وظل محتفظا بشعرة الحب.