رياضيا؛ لا بد من دراسة أسباب تأخرنا، وإعادة الأمور إلى نصابها، فلقد صغر دورنا رغم كبر حجمنا وقدراتنا، أما جيراننا فقد كبر دورهم رغم صغر أحجامهم وإمكاناتهم بالمقارنة معنا
من يهن يسهل الهوان عليه
مالجرحٍ بميتٍ إيلام
لعل هذا البيت يختزل توصيف حالتنا الرياضية التي تمضي سراعاً إلى الوراء وتتراجع تباعاً على نحوٍ يفقدنا قيمة وحظوة وحضوراً في المشهد الكروي الدولي والقاري.
كان لكرتنا حضورها الطاغي في كأس آسيا (أندية ومنتخبات)، وكذلك لتمثيلها في كأس العالم لأربع مرات متتالية، كما كانت لنا سطوتنا وتأثيرنا في القرار الكروي الدولي من خلال علاقتنا الشخصية والمميزة مع رئيس الاتحاد الدولي السابق هافيلانج، حتى وصل تأثيرنا إلى استحداث بطولة دولية كروية هامة وهي بطولة القارات، وكنا نشارك فيها ممثلين عن قارة آسيا، أما الآن فتشهد رياضتنا في المجمل تسارعاً في الإخفاق والضمور، سواءً على صعيد اللعبة أو حتى على صعيد التأثير في المحافل وأروقة ودهاليز القرار في الاتحادات القارية.
قبل أيام حقق المرشح البحريني سلمان آل خليفة فوزاً ساحقاً وماحقاً على منافسيه في حلبة الصراع على كرسي الاتحاد الآسيوي، وهو الذي سبق له أن خسر أمام رجل آسيا القوي ابن همام بفارق صوتين، مما يعني أنه يختزن خبرة وتجربة في معركة الانتخابات بشكل جعله يوظفها ويحسن إدارتها هذه المرة.. أما نحن فلم نظهر في المشهد على الإطلاق، ولم نضع في الاعتبار الترشح لرئاسة الاتحاد الآسيوي رغم أهمية هذا الدور، لكننا بعد ذلك ظهرنا ولكن لنلعب دور الربعية. والربعية في الموروث الاجتماعي في وسط نجد هي المرأة التي كانت تقوم ليلة الزفاف على خدمة العريسين وتظل جالسة إلى جوار باب غرفة العريسين في انتظار إشارتهما أو طلباتهما، كما أنها تقوم بدور الإسعاف السريع في أي حالات طارئة. والربعية هي في الواقع خادمة ولكن بدرجة فندقية كان عملها يتم في حفلات الزواج قديماً، لكن الحاجة انتفت لها في الحاضر.. وهكذا وقفنا في المشهد الآسيوي نقوم بدور الربعية للتوفيق بين خاطبي هذا الكرسي، ثم انحزنا في لحظة فارقة إلى أحد الخطاب وهو السركال، وما علمنا أننا نغمط دورنا حين لم نخطط للفوز برئاسة الاتحاد الآسيوي أولاً، وأننا حين فكرنا في ذلك فإننا لم نحسن التوقيت ثانياً، لأننا جئنا متأخرين جداً بعد أن طارت الطيور بأصواتها، لكننا مع ذلك قلبنا الموجة إلى لعب الدور التوافقي. ويبدو أننا لم نمارس جس نبض المتنافسين، بدليل أن سلمان الخليفة لم يرغب منا في التدخل، لأنه كان يرى نفسه على كرسي الرئاسة ولا يريد منا أن نفسد الطبخة فيذهب الكرسي للمنافس الشرق آسيوي، وهكذا وضعنا بيضنا في سلة السركال، أي أننا مع عدم التوافق اخترنا أن نراهن على الحصان الخاسر.. أجل فالسركال هو نائب ابن همام الذي ما زال بلاتر يترصد له في كل خطوة حتى أخرجه من المحفل كله.. وواضح أن بلاتر يريد أن ينظف الآسيوي من كل إرث لابن همام، والسركال من ضمن هذا الإرث.. فلماذا بعد هذا نحرق ما بقي من سمعتنا وندخل الحلبة بلياقة هزيلة دون سابق تمرين وبلا أي تحضير؟ ولماذا نغامر بأحد شبابنا المؤهل ونحرقه في هذا المعترك؟
من الذي ورط المملكة في هذا الدور الهش؟ من الذي أقحمنا في الحلبة دونما تحضير مسبق واستعداد لائق؟ من الذي بسط الأمور على هذا النحو الساذج الذي أضر بسمعة ومكانة الرياضة في المملكة؟
لماذا نعمل من مكاتبنا ونتعامل بالفاكس، فيما غيرنا يذرع الأرض جيئة وذهاباً.. يجامل ويهادن ويهدد ويسدد ويستميل البعيد ويقرب النافر ويحيد المعاند؟ لماذا نعمل تحت برودة المكيفات وغيرنا يلعب في الميدان وينزل الساحة؟!
لماذا غيرنا يرصد الملايين عندما يعزم على هدفه، ونحن نرصد الملاليم للمهم والملايين للهامش؟
لماذا يخطط غيرنا بشكل تكتيكي قريب وآخر استراتيجي بعيد المدى، أما نحن فلا تغادر نظرتنا شراك نعالنا؟!
لا بد من دراسة الأسباب وإعادة الأمور إلى نصابها، فلقد صغر دورنا رغم كبر حجمنا وقدراتنا، أما جيراننا فقد كبر دورهم رغم صغر أحجامهم وإمكاناتهم بالمقارنة معنا.
أخيراً يتردد أن المملكة ستقدم مرشحها لرئاسة الاتحاد الآسيوي في 2015 ، ولا أظن أن من الحكمة التصريح بذلك، بل ولا العزم على ذلك، لأن فترة السنة ونصف السنة الباقية لن تسمح لنا بذلك، كما أن رئيس الاتحاد الآسيوي الجديد لن يسمح لنفسه أن يخسر بعد هذا الجهد الجهيد، ولن يتخلى بعد عام ونصف العام، وإنما سيسعى لتكريس بقائه وتجديد ولايته ليحقق أهدافه وخططه.
إن علينا أن نحرص على استقرار الاتحاد الآسيوي، وأن نخطط من الآن لتحقيق تطلعاتنا خلال عام 2019 أو عام 2023.
أعيدوا الاعتبار للإدارة الجيدة والنظر الثاقب والتخطيط المدروس.. ودعوكم من الارتجال والفوضى وأسلوب الفزعات، لكي نحقق أهدافنا وتطلعات شبابنا.