البعض من المواطنين يتسترون على الكثير من مجهولي الهوية، وما زال كثير من سماسرة المتاجرة بالبشر وتسهيل دخولهم في البلاد يشكلون تهديدا لعيش المواطن والمقيم النظامي
سمعت من سمية دعاؤها لوزير العمل.. استوقفتها وسألتها عن سر هذه الدعوات القلبية لمعالي الوزير عادل فقيه..
سمعت قصتها وحكاية عمرها الذي قضته بين المحاكم والسجون والجوازات والأحوال المدنية، ولضيق المساحة فسرد قصة ذات أبعاد عجيبة ومؤلمة ضرب من المستحيل في مساحة لا تسمح بذلك، لكن سأضطر لسرد جزء منها لندرك جميعاً إلى ماذا.. (يؤول إليه التهاون والتفريط بتطبيق القوانين المدنية، والتلاعب بها واتباع المصالح الخاصة فيما يخص نظام المقيمين في المملكة وأثر ذلك في أمن هذا الوطن والاستفادة من خيراته وعائداته الاقتصادية في حياة مواطنيه).
(والد سمية مواطن يسكن البادية، لم يكتف بزواجه من والدة سمية وإنجابه للعديد من الأبناء منها، بل تزوج بامرأة مجهولة الهوية لا تحمل أوراقا ثبوتية لجنسيتها.. حاله كحال الكثير من أبناء منطقته، وكان ذلك قبل 30 عاما وبأحداث دراماتيكية لا مجال لذكرها ومعاناة الزوجة والهروب بالأولاد لإنكارهم من الأب الذي لم يعترف بهم إلا بعد أن أعادتهم والدتهم إليه بعد أن ذاقت مرارة الفقر والقهر من زوج ظالم طلقها وأعادها إلى بلادها.. تولت سمية ووالدتها مسؤولية هؤلاء الأطفال).. (الوالد حكم عليه بالقصاص وما زال سجينا.. لقتله زوج ابنته سمية، وهذه مأساة أخرى من مآسي الاستهتار بالقانون وتجاهل حقوق النساء لدى البعض، وكانت سمية ضحية أب جشع.. باع حياة ابنته بقطعة أرض! وتسبب في ترملها وترك بين يديها إخوتها الذين حرموا حقوق المواطنة وحقوقهم الإنسانية في إبعاد والدتهم).
بعد جهود طويلة.. استخرجت سمية لإخوانها بطاقات وطنية بلا أم، وقدموا كثيرا للحصول على وظيفة، مناسبة، وأوصدت الأبواب أمامهم، خاصة المهن والوظائف في القطاع الخاص التي تسيطر عليها العمالة، والتي كان لها أيضا نصيب الأسد من فرص العمل الجديدة خلال فترة الازدهار الاقتصادي الذي عاشته المملكة السنوات الأخيرة.. ظل فيها أبناؤنا أشبه بالمتفرجين ولسان حالهم يقول، فقط وازنوا كفتنا بالأجنبي!
بعد صدور القرارات الأخيرة بشأن توطين الوظائف وتصحيح أوضاع العمالة نفذ القرار رغم أن العديد من التجار وبعض رجال الأعمال رأوه قراراً مجحفا، لأنه يتعارض مع مصالحهم الشخصية، ووجدت سمية أخيرا عملاً لهم بدخل شهري لا بأس به، غير وسيغير، بإذن الله، مجرى حياة أسر بأكملها..
عندما سمعت القصة من سمية كنت كأني أعيش في قصص الفانتازيا، وهذه القضية أجبرت تفكيري على التوقف، وفشلت في تحديد المسؤول الحقيقي عن المآسي التي عاصرتها سمية وإخوتها، والمتمعن في حجم مأساة هذه القصة يكتشف الآتي:
1- تأخر الدولة بتنفيذ القرار لا يعني التهاون في تطبيقه، أو تحميل الدولة كامل المسؤولية دون النظر لضعاف النفوس ممن عبثوا بالنظام.
2- تطبيق القانون بلا هوادة على المواطنين مهما كانت أعذارهم لمعالجة أوضاع عمالته التي تبلغ أحياناً المئات للمواطن الواحد.. (سألت أحد السائقين إن كان بإمكاني نقل كفالته تصحيحاً لوضعه فأبدى سخريته مني ثم قال إن دخلي الشهري 10000 ريال).. هؤلاء هم من سيقصمون ظهر اقتصادنا إن لم نتحرك سريعاً..
هؤلاء هم من المواطنين والمقيمين المتلاعبين والعابثين بأنظمة الدولة والمتاجرين بمستقبل أبنائنا والذين يريدون سلب المزيد والمزيد من خيرات البلاد.. أمثال هؤلاء لا يستحقون التباطؤ في محاسبتهم ليكونوا عبرة لمن لا يدرك معاني المواطنة ومبادئها.
3- ما زال الكثير من المواطنين يتسترون على الكثير من مجهولي الهوية، وينطبق ذلك على سكان القرى والمدن، وما زال كثير من سماسرة المتاجرة بالبشر وتسهيل دخولهم في البلاد يشكلون تهديدا لعيش المواطن والمقيم النظامي.. دون أن يشعروا بمدى أثر أفعالهم التي يتبرأ منها الدين والشرف.
وكلنا أمل بتكثيف جهود الحملات على هؤلاء وتقديمهم للعدالة ومحاكمتهم، ولن أكون مبالغة عندما أتهم مواطنين حتى من ذوي الوظائف الحساسة! ومواطنين امتهنوا تسهيل دخول المجهولين بطرق غير شرعية! بأنها خيانة للوطن..
وآن الأوان لتطبيق أنظمة بلادنا التي تنافس الأنظمة العالمية في دقتها وشموليتها ومرونتها، وأن ترى النور وألا تظل حبيسة الأدراج.
4-الرد المجتمعي الصارم وعلى جميع المستويات على الحملات المناهضة لهذا القرار التي تصف حملات الدولة بأنها غير إنسانية ووضوح الرؤية للجميع بأن أمن بلادنا لا جدال فيه ولا تراجع عن حمايته بكل شكل..
ولنعلم جميعا أن تنفيذ القرار سيدفع ثمنه البعض وهذا أمر لابد منه نظراً لتراكم القضية وتأجيل تطبيق القرارات عشرات السنين.. لكن لا ضير في ذلك طالما أن هذا لصالح أمن الوطن واستقراره..
شكرا عادل فقيه، وجزيت عنا كل خير، شكرا لولاة أمرنا، لحرصهم على أمن هذه البلاد واستقرارها، شكرا لكل مواطن يعي قيمة مثل هذه القرارات ويجتهد في تقديم الصالح العام على مصالحه الشخصية، ودعواتنا وأقلامنا وأصواتنا ستدعم كل ما من شأنه مصلحة بلادنا.