أؤمن دائما بأن معايشة الأشياء على أرض الواقع، تختلف كثيرا عن الغوص بها عبر الأسطر المكتوبة، أو الصور الملونة، أو حتى مقاطع الفيديو المجملة.. فالكاتب أو الناشر أو الناقل - باختلاف التسمية - ينثر الأشياء (غالبا) بحسب ما تمليه عليه المصلحة، والأهواء وأشياء أخرى.. وكذلك يحدث في زاوية المصور، وفي خطوط سير الفيديوهات، وكل وسائل النقل، بكل ألوانها.. لكل هذا، وغيره من غير المنتمي لما سبق، قررت مبكرا أن أزور الأماكن وأراها، أسبح في تفاصيلها، وأقرأها بطريقتي، وأكتبها بحروفي، وأقف عليها بنظرة المحايد قليلا، وغير ذلك في أحايين أكثر.. كانت الأحساء هي وجهتي هذه المرة، برفقة الجميلين عبدالعزيز ومحمد، بعد أن قررنا التفتيش في دهاليز المدينة، بعيدا عن صور البشوت الرسمية، والأشمغة المختنقة بذرات النشا.. تزامن وصولنا، مع لحظات ما قبل إعلان وزارة الصحة، لخبر فايروس كورونا، حيث تعلن من الرياض، وهي غائبة عن السطح، بإمكانات متواضعة، وربكة حتى بعد مسيرة يومين.
مساحات كثيرة منسية في بلد العيون والتمر، تحرض الفكر على التساؤل والبحث، ولكن رغم هذا سأهرب بعيدا عن كل المثبطات.. هناك، حيث تزين الابتسامة شفاه البساطة والحياة، سعدنا برحلتنا مع الصديق رياض المقيطيب، الذي اشترط أن تبدأ رحلة المدينة من محطة كبدة بوفية (النهر الخالد)، والتي يرى أنها من أهم علامات الأحساء الفارقة، بعد أن كان صباحنا قد انطلق من مطار سوق الخميس، لنرحل بعدها لممشى السويق بين أزقة الماضي، ونقف على أبواب العم خالد الهران بوعلي، ممول الحلوى والطيبة بالبلد، والذي رافق المهنة لأكثر من أربعين عاما، ممتنا لها بالفضل الوفير، وبعدها لـبيت الملا وقصر إبراهيم المسور بالتاريخ، وليس انتهاء بجبل قارة.. وأسواق القيصرية، التي ترسم لوحة جميلة من ألوان التعايش، بمنأى عن كل مساحات التطرف المفتعل.. كل هذا وغيره أجمل، يغلف دهاليز الأحساء، ولكن كما قلت بالأول، لا تصدقوا ما يكتب، ولا تصدقوني، وجربوا أن تسافروا.. وتشاهدوا (الجمال) بعيونكم! والسلام.