أطالب مجلس الشورى، كجهاز تشريعي ورقابي على أجهزة الدولة بإيجاد آلية أو جهاز يدرس باستمرار وبشكل ثابت ودائم ما يتم تناوله في الإعلام حيال أي جهاز حكومي
مشكلة الهيئة العامة للاستثمار تكمن في تعارض أهدافها مع أهداف جهات حكومية أخرى أنيط بها توظيف المواطنين على حساب أي هدف آخر. وهي ليست الحالة الوحيدة بين أجهزة الدولة، ولا يمكن أن تلام الهيئة فيما حققته من إنجازات في مجال التنافسية العالمية وجلب رؤوس أموال للمملكة، وقد حققت المملكة المركز الثامن عالميا في جذب الاستثمار، والهيئة تعمل بأهدافها الموضوعة لها.
ولا يمكن أن تلام بما قامت به من تذليل المصاعب الإجرائية التي تعترض المستثمرين الأجانب حسب أهدافها، لكن الخلل الأساس يكمن في الازدواجية التي تقع بها أجهزة الدولة بين من يريد أن (يتخلص) من الأجانب وبين من يريد أن (يستقطبهم).
هذا جانب والجانب الآخر، أن بعضا من أهداف الحكومة ذات الطابع الموحد تناط بجهازين أو أكثر في حين كان يفترض أن تناط بجهاز واحد لضمان تحقيق الهدف بطريقة عادلة وواضحة. ففي هذه الحالة كيف يناط بالهيئة العامة تسهيل إجراءات المستثمرين الأجانب ولا يكون من ضمن مهامها تسهيل إجراءات وشروط استقطاب المستثمرين السعوديين؟ بل كيف يناط بوزارة العمل وبعض الأجهزة الحكومية التضييق على المستثمرين السعوديين بأصناف التعقيدات الإدارية والإجرائية والشروط التي لا تنتهي، في الوقت الذي تطرق هيئة الاستثمار أبواب الدول وشبابيك الشركات لكي تستقطب المستثمرين الأجانب.
هذا طبعا ليس تبرئة لساحة الهيئة العامة للاستثمار ولا هو دفاع عنها أو عن ممارساتها، فكثير مما أثير عن الهيئة في الصحافة يثير قلقي وقلق الكثيرين ويدعو للتساؤل ويترك علامات استفهام عن غياب الرقابة على أداء أجهزة الدولة ومدى مطابقة إنجازاتها لخططها مع الجداول الزمنية. ما أستغربه هو ما بعد العاصفة. فلماذا تصمت الهيئة العامة للاستثمار عن سيل الاتهامات التي طفحت بها الصحافة وأعمدة الكتاب؟ هل يمكن تفسير هذا الصمت بأنه اعتراف ضمني بتلك الاتهامات؟ وأين محافظ الهيئة الذي كثيرا ما يوصف بأنه متحدث بارع لمؤسسته وبلاده في الخارج؟ هل أصبحت سياسات هذه الهيئة وأهدافها خطرا على مشاريع توطين المهن والتقنية والصناعة؟ لماذا يتحدث محافظها في الخارج بلغة وفي الداخل بلغة أخرى؟ وكيف أصبحت المدن الصناعية غير معنية بتوظيف المواطنين، بعد زمن طويل من الوعود بأن هناك عشرات آلاف الفرص الوظيفية التي ستوفرها المدن الصناعية للمواطنين؟ وما الذي يتم داخل تلك المدن وأين وصلت الآن؟ هل فعلا باعتنا الهيئةُ المدنَ الصناعيةَ بشعارات تناسب كل مرحلة؟ لماذا فتحت السوق المحلي للاستثمار الأجنبي في مجالات لا تحتاجها البلد ولا تسعى إليها؟ ولماذا سمحت للاستثمار برؤوس أموال ضعيفة لا تلبث أن تختفي رؤوس الأموال تلك، وفي بعض الأحيان تصدر أكثر من ترخيص لرأسمال واحد؟ ولماذا سكت الإعلام عنها طوال هذه المدة؟ أم أن الهيئة سوقت نفسها فقط للخارج ولم تسوق نفسها للإعلام المحلي؟
من هذه القضية أريد أن أطالب مجلس الشورى، كجهاز تشريعي ورقابي على أجهزة الدولة بإيجاد آلية أو جهاز يدرس باستمرار وبشكل ثابت ودائم ما يتم تناوله في الإعلام حيال أي جهاز حكومي خاصة تلك الأجهزة الجديدة نسبياً أو الأجهزة التي يدور حولها جدل في الرأي العام من خلال الإعلام بشكل يوحي بأن هناك مشكلة حقيقية. أنا أعرف أن الشورى يستعين بما ينشر في الإعلام، لكن ذلك غير مستمر وليس تراكمياً وثابتاً.