عبدالله سعد الغنام
ها نحن ندخل سنة ميلادية جديدة، سوف تزيد فيها أعمارنا، وتنقص فيها مدة بقائنا، وتلك هي سنة الحياة التي لا مفر منها، ولكن لا بد لنا من بعض الومضات، نسأل أنفسنا ما الذي قدمنا وما الذي أخرنا؟ وما الذي تعلمناه من دورة الحياة السنوية.
أولى هذه الومضات أن اختيار الهجرة من عام قديم إلى عام جديد كبداية لتاريخ جديد لم يكن عبثا أو صدفة!، بل هو إشارة واضحة لبداية صفحة جديدة وعهد جديد، كأنها شمس سنة جديدة تشرق علينا، وهي صورة لبداية ولادة طفل جديد متفائل بالحياة.
نحن نحتاج إلى مفهوم تلك الهجرة حتى نهاجر بأنفسنا قبل أبداننا، لابد أن تكون بداية السنة الميلادية الجديدة كمحطة نتوقف بها ولنتزود منها، فنحن البشر قد ننسى وقد نتقاعس فنحتاج إلى تذكـير في كل سـنة من أجل هجرة متجددة.
الغريب أننا نهتم كثيرا لحساب أموالنا ونراجع ذلك سنويا، وباهتمام بالغ وبحذر شديد، فترانا ندقق في كل صغيرة وكبيرة، وكل شاردة وواردة، ولكن العجيب أن أعمارنا لا تلقى منا ذلك الاهتمام الشديد في المراجعة، إن تلك السنوات التي تمر علينا هي أوقاتنا وهي أجلُ وأثمن، وهي المقصود الأول والأهم في هذه الحياة، وتلكم هي النظرة البعيدة الثاقبة التي يراها الناجحون مع إطلالة كل سنة جديدة، فالناجحون في الحياة هم الذين يتوقفون برهة ثم يتأملون ما مضى، ثم هم يقدمون بتفاؤل وأمل للسنة الجديدة.
الومضة الثانية أن نحاول بكل جد وصدق أن ننتهي من الماضي وأخطائه وعثراته، ومن التعلق به، ولنجعله كاللمحات من دروس مرت علينا فاستفدنا وتعلمنا منها لمستقبلنا، ثم هي مضت وكفى. فنحن لا نريد أن نجعلها أثقالا نحملها فوق ظهورنا كمن يحمل أوزارا، ولا حزنا بين جنبينا فيقعدنا. يقول كولين باول ( وزير الخارجية الأميركي الأسبق) لا أحد منا يستطيع تغيير ماضيه، ولكننا جميعا قادرون على تغيير مستقبلنا!.
الومضة الثالثة، لنتذكر أولا الإنجازات ولو كانت صغيرة ومبعثرة هنا وهناك، ولكننا وللأسف في كثير من الأحيان نتذكر الأخطاء الماضية قبل الإنجازات، ونتحدث عن العثرات قبل الخطوات، ونجترّ السيئات وننسى الحسنات. تلك العقلية السلبية جعلت النمط السائد لكثير منا تذكُّر الأخطاء التي قمنا بها في السنة الماضية بسهولة ويسر، ولكننا في المقابل نجد صعوبة في تذكر الأشياء الكثيرة التي أنجزناها على الوجه الصحيح.
إن ثقافة تجميع الأخطاء وحساب العثرات جعلت نفوس كثير منا محبطة وربما منهكة. وآخر ومضة وأهمها، أن نصنع من الماضـي سُلماً يرفعنا إلى المستقبل.