يصعب مواجهة خصوصية التجربة الثرة، أو مقاربتها لصديقي العزيز الشاعر محمد زايد الألمعي، لكون تجربته قامت على النهوض المبكر، والممارسة الفعلية والخبرات الجمالية والانفتاح على القصيدة الحديثة، بكل طرائقها وعلائقها الدلالية والتخيلية، فتجربته تتسم بالحيوية والعمق وتخصيب أرض الشعر، مما أكسبها منحى ملحمياً مشبعاً بروح الحياة والتمرد والانتصار للإنسان التاريخي الذي ينشده. قصيدته بؤرة مشعة بالدلالات الضمنية المغايرة والتي تشكل عصب النص الشعري لديه، ولغته مشحونة بالمجازات التأويلية وفق رؤيته ومحمولاته ومكوناته اللغوية والفكرية. تتمتع شعريته بالتداخل المدهش ما بين القصيدة الخليلية والقصيدة التفعيلية ضمن تعددية تجاوزية مستقاة ونظام لغوي انسيابي، مما منحه خصائص متفردة وحركية مطلقة وواعية ومدركة لكيفية احتواء الفعل الشعري، وفك مغاليقه وارتياد مجاهيله. هو يعي المرحلة فبحث عن الحيز المتاح لكي يرسل قصيدته باشتراطاتها المعقلنة في مشهدنا الثقافي، وعمل على تمريرها في أحلك المسالك والمحاذير مما شرعن حضوره كأفق مختلف ومعطى معرفي مبهج، له تأثير أبوي على كثير من الشعراء الشباب، فلو تأملت هسيس قصائدهم وبوحهم الشعري لأمسكت بروح واحتدام ذلك التأثير الضاغط والافتتان بسحره وإدهاشه. لم أتمكن من توظيف كثير من مستلاته الشعرية لكونه لم يصدر ديواناً واحداً حتى فجر هذا اليوم، ولكنه غير قابل للإمحاء والغياب والذهاب إلى المجهول، رغم أنه ظُلم كثيراً من مجايليه النقاد، فلم يقتربوا من تجربته ورؤيته وتحليل نصه وتخومه واختراقية لغته الكامنة والمبثوثة في سياقاته ومواضعاته، واستكناه جذور مداره الشعري واستشراف آماده وجواهر طاقاته، واستحضاراته ومفاتيح كائناته الشعرية والمتعالقة مع الذاتي والجمعي. محمد زايد يأنف الغموض والإبهام الذي يحول القصيدة إلى صخرة صماء وجدار بارد، ولكنه يأخذ بمقولة أبي إسحاق الصابئ أفخر الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه ولذا فقصيدته متحررة من قيدها الشكلي الرتيب، ولكنها تستجيب لعصرها وتعاشر زمنها في محاولة للقبض على اللحظات الهاربة من الحياة، والإحساس بالعالم المعاش، ولذا يصعب استنطاقها والكشف عن مكوناتها والولوج إلى أعماقها من خلال هذه الشفرات والإشارات التي نقولها كأصدقاء، فزايد يتكئ على أربعين عاماً من العطاء والإبداع و الإرث الشعري، وتجسيد رؤياه الجمالية والفكرية والتعبيرية والرغبة بالتغيير، رغم أنه لا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر، إنني أدعو النقاد إلى الالتفات وقراءة تجربته المفعمة بالجرأة والاقتحام والبراءة، والتجرد من السائد والمألوف، وانعتاقه من التمثلات البطيئة التي وقع فيها بعض معاصريه.