بسبب قضية تسرب النفط في خليج المكسيك، والذي تسببت به شركة البترول البريطانية (BP)، رغبت أن تتضمن قراءاتي لفصل الصيف شيئا عن الشركة، وصدف أن اللورد جون براون رئيس الشركة التنفيذي لمدة 12 عاما (1995 – 2007) قد أصدر مذكراته مؤخرا، وقد شهدت فترة إدارته للشركة نجاحات باهرة، ولكن نهاية عمله كانت نهاية مدوية بسبب فضيحة شخصية، وسألخص فيما يلي أهم ما ورد في مذكراته:
لأن والد اللورد براون كان يعمل في الشركة البريطانية في إيران، فقد ترعرع الابن على حب تلك الصناعة، وتشربها، ولذلك في عام 1969 انضم للعمل في ذات الشركة، وبعد ستة وعشرين عاما من نجاحات متعددة عين رئيسا تنفيذيا، وخلال فترة إدارته اختير أربع مرات كأفضل مدير شركة في بريطانيا، وزادت قيمة الشركة خلال فترة إدارته خمسة أضعاف، وأصبحت ثاني شركة بترول في العالم (بعد استبعاد شركات البترول الحكومية).
وبشكل عام تعيش شركات البترول الدولية على المخاطرة والمقامرة، حيث تحتاج دائما إلى البحث عن احتياطات نفطية جديدة، وفي كثير من الأحيان تكون تلك الاحتياطيات في مناطق خطرة (نيجيريا، انغولا، كولومبيا)، أو في دول غير صديقة للشركات (روسيا، الصين، ليبيا، فنزويلا) ويروي تجاربه في التفاوض مع مسؤولي تلك الدول.
إلا أن اللورد براون لم يكن صادقا عندما تحاشى الحديث في مذكراته عما هو معروف في صناعة البترول، ألا وهو علاقة الفساد القائمة بين شركات البترول العالمية، والأنظمة الدكتاتورية التي تعاملت معها.
ورغم النجاحات الكبيرة التي شهدتها شركة البترول البريطانية تحت إدارة اللورد براون (وقد منح لقب لورد تقديرا لدوره في الاقتصاد البريطاني). إلا أن نهاية عهده قد بدأت نتيجة حادثة حريق في مصفاة في تكساس، تلتها حادثة منصة بحرية، ثم تسرب في خط أنابيب الاسكا، ولكن كل تلك الحوادث لم تكن كافية لإقالته، وإنما تصرفاته الشخصية، حيث تبين أنه كان مثليا جنسيا، وقد نجح في إخفاء تلك الحقيقة لسنوات، ولكن صديقا سابقا له حاول ابتزازه، وباع قصته إلى صحيفة إنجليزية، وكان لزاما على الرئيس أن يستقيل بعد انفضاح حقيقة استخدامه أموال الشركة للتغطية على الموضوع.
انتهى تلخيص المذكرات، ولكن هناك ملاحظة يتعلمها كل من يقرأ عن تكوين مجالس إدارة الشركات المساهمة العالمية، ألا وهو أن مجالس الإدارة تلك دائما ما تتكون من رؤساء مجالس إدارات، ومديرين تنفيذيين لشركات مساهمة أخرى، وبذلك تتنوع الخبرات العملية، وهو ما لا يحدث في عالمنا الثالث، حيث يكون التركيز على عامل القرابة، والصداقة، والمحسوبية. ونتيجة لذلك قلما يكون هناك عصف ذهني، أو نقاش حقيقي خلال اجتماعات مجالس الإدارة، بل كيف يمكن لعضو مجلس إدارة أن يختلف مع رئيس المجلس، أو مع أكبر المساهمين، وهم أصحاب الفضل والنعمة؟ ولذلك يمكن أن يوصف بعض أعضاء مجالس الإدارة في شركاتنا بأنهم يشبهون قرود الهند الثلاثة: الأول لا يتكلم، والثاني لا يسمع، والثالث لا يرى!.