لمن نكتب؟ يغشانا العقل كل يوم، فنركض لاهثين خلف مخرجاته، معتقدين أننا سننجز قصاصات ورقية نباهي بها البشر ونكون شيئا مذكورا، وبعد ذلك تتململ بوادر الكبر في أعماقنا، فنعتقد أننا حققنا التوجيه الأكبر، وأصبحنا نحن الربان والسفينة من حولنا تحمل معشر بني الإنسان! وما بين تلك الأسطر الواجمة، التي صيغت في أماكن متباينة، وفق أجواء تتفاوت بين الكآبة تارة، وبين الغيرة على استقامة البشر وتطويرهم تارة أخرى! نكتب عنهم أم نكتب عنا، ما القضية وأين المشكلة؟، أسئلة تدلف إلى أعماقنا دون استئذان، وخيالات تراودنا وكأنها تزف لنا حقيقة الغد!
وهل إذا صرخنا سيصل صوتنا، أم سيعيده الصدى إلينا وكأنه ضيف ثقيل داهمنا، وكأننا في حفلة وجوم ضاقت بنا!
نحن هنا، وفي أعماقنا بقايا حبر، وصوت ضال، يبحثان عن سطر صامت، تتساقط من حوله نقاط خائنة، وتراه أعين لاهية لا تهوى الحقيقة! لمن نكتب، لعيون لا ترانا، لأذان لا تسمعنا، لبقايا ضائعة بيننا، لعقول لا تستوعب، يبدو أننا نكتب لعالم آخر، لا نفهمه ولا يفهمنا! نمسك بالقلم فيخشانا، ونخشاه، ونبدأ بمحاولة الإقناع، فيضيع منا، ونراوده فيأبى علينا، والفكرة جامحة تود الحضور، والقلم لازال في هواجسه ممتنعا عن الظهور، عاصيا لكل نقطة تود معانقة السطور!
إنها الكتابة، تلك العملية الصعبة، تلك الولادة القيصرية المنهكة التي ابتلينا بها فعشقناها، وتلذذنا بألمها الجميل، حتى صارت منا وكنا فيها.
حكمة المقال: يقول الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد في قصيدته (أربعين):
الكتابة عن همومي ذنب أفْشَل في ارتكابه
هكذا حزني أناني... غير فرْحي للّي حولي
من هموم الناس أبني دافعي لجل الكتابه
ما حسَبْت حساب ضاقوْ بْما كتبت أو صفّقوا لي