بين ليلة وضحاها خرج الناس صباح السبت الماضي من بيوتهم، وإذ بهم يشاهدون إعلانات مصورة في كل شارع أمام أعينهم يا للهول.. إنها ابتسامة عريضة لم يعتادوها لبعض نجومهم من الدعاة.. يقفون مع من أطلقوا مرات عليهم أحكاما عبر خطبهم وتغريداتهم للتحذير منهم، وتاجروا بسمعتهم ليكتسبوا شعبية بين الناس، ووصفوهم بالمنحرفين أحيانا، والليبراليين الفاسقين أحيانا، وبأدوات الشيطان أحيانا، لأنهم من ملهيات الحياة! لكنهم في ذاك الصباح، على غير العادة؛ هم وقوف جنبا إلى جنب مع الرياضيين والإعلاميين والفنانين والكتاب.. يرفعون أيديهم إلى آذانهم يقولون لنا كلمني على..! وهي خدمة اتصالية مدفوعة تشبه تويتر.
وبصراحة لا أعترض على الخدمة مثلها مثل بقية الخدمات المقدمة للناس في سوقنا الإعلامي الاستهلاكي الكبير؛ فمن يردها يدفع مقابلا كأي خدمة توفرها تقنية الاتصالات في ظل تطور التقنيات، لكن الناس فجعوا ذاك الصباح بأن مشايخهم يتربحون بالدين على ظهور عواطفهم واحترامهم لهم! وكأن الناس استيقظت فجأة من غفوة طويلة؛ ليكتشفوا أنهم للتو يحصدون الملايين مقابل دعاء يقدمونه لهم أو توجيه دعوي أو حكاية نبوية أو آيات من القرآن الكريم.. هؤلاء المفجوعون أقول لهم تو النهار.. صباح المساء! هل استيقظتم اليوم لتكتشفوا ذلك؟ أين أنتم من خدماتهم التي يتربحون بها عبر رسائل SMS منذ سنوات؟! أين أنتم من مئات الآلاف من الدولارات التي تُدفع لهم مقابل الدورات والبرامج التلفزيونية التي يقدمونها في قنوات هزي يا نواعم بمسمى دعوية وما هي إلا ربحية!
لقد كتبت هنا في تاريخ 2/10/2007 مقالا بعنوان: دعاة.. خمسة نجوم هل تتذكرونه؟ تحدثتُ فيه عن استغلال بعض الدعاة الذين باتت لديهم قصور وعمائر وسيارات فارهة تكسبا من عواطف الناس الدينية كما تجار الشنطة!
وبصدق لا أعترض على تربح النجوم من الزملاء الإعلاميين والفنانين وحتى الرياضيين ممن وقعوا مع هذه الخدمة، هؤلاء لا يتاجرون بالدين، بل بمواهبهم وحرفهم التي كافحوا ودرسوا لسنوات طوال ليطوروها.. إنها ثمرة المهنة التي يجنون حصادها لا بيع كلام الله تعالى ورسوله على الناس فيما يعطل أحدهم العقول ليتبعه الناس كالقطيع! لهذا من حق نجوم الإعلام والرياضة والفن والصحافة والمهن الأخرى أن يتربحوا بشهرتهم فيما امتهنوه مثل نجوم الغرب، خاصة أن الخدمة لا يُجبر عليها أحد، لكن دورهم يجب ألا يقل عن دور نجوم الغرب ممن يتربحون من شهرتهم برفع مستوى الوعي بالقيم الأخلاقية الإنسانية فعلا وقولا، ففي الغرب حين يخطئ نجم مشهور خطأ اجتماعيا أخلاقيا تفسخ كل الشركات المعلنة عقودها معه، ويتحول إلى هامش وبضاعة فضائحية إذا ما حاول أن يمس القيم الإنسانية بالطائفية والعنصرية أو يجرح القانون. وهنا تكون المسؤولية على الزملاء والشركات التي تتعاقد معهم، فمن يتعب مهنيا ويجتهد فسيجني الخير مثلهم، وطبعا تعب عن تعب يفرق أكيد! لهذا حين نتأمل هذه الخدمة فلا نهاجمها تماما ولا ننجرف معها، ولنمسك العصا من الوسط.