رائعٌ أن تعيش الحياة دون منغصات أسريّة أو التزامات تجاه زوجة أو أطفال, لكنك سوف تصل في النهاية إلى أن تعيش تلك اللحظات الجميلة لوحدك فقط, ذلك أن التنازل عن تأسيس أسرة مقابل التخلص من الالتزامات الأسرية والمسؤوليات المجتمعية؛ أمرٌ تدفع قيمته ليس متأخراً فقط, بل وبشكل مضاعف.
أخطر ما في العيش وحيداً أنك لا تكتشف أنك بحاجة إلى أسرة حقيقة إلا بعد فوات الأوان, بعد أن تتلاشى قوة الشباب, ويصبح الإنسان مجرد عالة على غيره, حتى لو كان يملك الأموال الكثيرة, وحاز نصيباً وافراً من الشهرة, فها هي الفرنسية جان أوجييه مالكة الفندق الشهير نيغريسكو؛ تطلب عبر محاميها أن توضع تحت الحجر والوصاية الرسمية!
هذه العجوز التي بلغت التسعين الشهر الماضي؛ لم تتزوج ولم تكوّن أسرة بطبيعة الحال, مما جعل ورثتها ينحصرون في كلبيها: ليلو وليلي!. لقد أفنت جان عمرها في الاعتناء بهذا الفندق الذي ورثته عن والديها, وحوّلته بشغفها إلى إيقونة فنية, متخمة بالمقتنيات النادرة والمتناقضة, لكنها لم ترو ظمأها الطبيعي للأمومة, مما جعلها تئن تحت وطأة الوحدة خلال سنواتها الأخيرة, وزاد خوفها من تعرضها للغش والابتزاز؛ إذ بدأت تعاني من لحظات نسيان خاطفة, كما أنها أضحت أسيرة الكرسي المتحرك بعد إصابة ركبتها مؤخراً.
لقد عاشت جان حياة حافلة بالصخب والفرح, دون أي التزام أسري, ولم تشعر أبداً بمتعة وكبد تربية الأطفال, ولم تفرح لفرحهم أو تحزن لحزنهم, لكنها -للأسف- وحينما وصلت للنهاية وصلتها وحيدة دون أحد, فهل يرغب أحدٌ ما بإعادة قصتها من جديد!