موقف أميركا في دفاعها عن الحكومة المصرية ضد انقلاب عسكري، والإصرار على أن توقع الحكومة على اتفاقية مع صندوق النقد الدولي سوف تسبب اضطرابات فورية مما يضع الرئيس مرسي وحكومته في وضع مستحيل

زار وفد من صندوق النقد الدولي مصر للتفاوض على شروط قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار. المسؤولون المصريون، الذين لم يتعودوا بعد على قسوة ومتاعب حكم بلد عدد سكانه 85 مليون نسمة، يكافحون لابتكار استراتيجية تفاوضية للتخلص من مطالبات ستنهي الحكومة الحالية في حال قبولها هذه الطلبات. احتياطيات العملات الأجنبية المصرية انخفضت من 60 مليار دولار منذ عشر سنوات إلى حوالي 11 مليار دولار فقط حاليا. مطالب صندوق النقد الدولي تعرض مصر للخطر ما لم يتم ابتكار استراتيجية تعطي المصريين أفضلية على طاولة المفاوضات.
في قلب المفاوضات قضية الغذاء، المفاوضون الذين يمثلون صندوق النقد الدولي يحاولون إجبار الحكومة المصرية على قبول العلاج بالصدمة الذي قد يقود إلى مرحلة جديدة من الربيع العربي وفترة طويلة من الفوضى، واحتمال حدوث انقلابات عسكرية، وفي النهاية ربما الحرب الأهلية. من بين مطالب صندوق النقد الدولي الوقف الفوري لدعم المواد الغذائية والوقود الذي حافظ على بقاء الأغلبية الفقيرة في مصر أحياء حتى الآن.
الموضوع الذي يتم تجنبه في هذه المفاوضات هو أن مصر ليست وحدها التي يتم الضغط عليها في قضية الغذاء. هناك ارتفاع عالمي كبير في أسعار الحبوب، ولذلك فإن هناك بلدانا تجوع، ولكن في نفس الوقت، تسجل أكبر البنوك الدولية أرباحا قياسية. صحيفة الإندبندنت اللندنية ذكرت في ديسمبر 2012 أن استثمار المضاربة في السلع الزراعية كان أعلى 20 ضعفا عن المبالغ التي تم إنفاقها من قبل جميع دول العالم على المساعدات الزراعية. هذه الزيادة في الأسعار تجفف احتياطيات مصر وباقي الدول المستوردة للمواد الغذائية، ومع ذلك فإن الدول التي تضم هذه البنوك ذات الاستثمارات الهائلة لا تهتم بآثار هذه الزيادات المدمرة.
هذا يضع مصر في دائرة يائسة من الانحناء والقبول لأسعار المضاربات التي تجفف أموال البلد التي يمكن أن تصرف على التنمية الداخلية.
عندما زار وزير الخارجية الأميركي جون كيري مؤخرا القاهرة للقاء الرئيس محمد مرسي وكبار المسؤولين هناك، أوصل رسالة لهم: ابتلعوا كبسولة سمِ صندوق النقد الدولي، وكان قاسيا بنفس الدرجة خلال اجتماعه مع المسؤولين العسكريين حين قال لهم بصراحة إن الولايات المتحدة لن تتحمل أي تدخل عسكري ضد حكومة الرئيس مرسي.
موقف الولايات المتحدة في دفاعها عن الحكومة المصرية المنتخبة ضد انقلاب عسكري، والإصرار في نفس الوقت على أن توقع الحكومة على اتفاقية مع صندوق النقد الدولي سوف تسبب اضطرابات فورية مما يضع الرئيس مرسي وحكومته التي يسيطر عليها الإخوان في وضع مستحيل. جميل أن ترحب الولايات المتحدة بنتائج الانتخابات وتحتفظ بالجيش في معسكراته. لكن وصفة صندوق النقد الدولي بالخصخصة السريعة، تخفيض قيمة العملة، وإيقاف الدعم عن مواد أساسية فشلت بشكل واسع خلال السنوات الثلاثين الماضية، سواء في أفريقيا، وآسيا، أو مؤخرا في قلب أوروبا الغربية الصناعية.
مصر بلد غني بالأراضي الزراعية والموارد المائية الكافية من نهر النيل وروافده. ومع ذلك تستورد مصر اليوم 75% من قمحها، مما يجعلها الدولة المستوردة رقم واحد في العالم. ولأنها مجبرة على شراء القمح من السوق العالمية، حيث يرفع المضاربون الأسعار ويحققون أرباحا على ظهور الفلاحين الذين لا تصلهم إلا مبالغ قليلة لقاء محاصيلهم، فإن مصر في موقف مستحيل – إلا إذا بدؤوا باتخاذ مقاربات مختلفة. خلال أقل من عامين، وانحدار الاستثمار في مشاريع إدارة المياه إلى الحد الأدنى – السدود، الأقنية، الخ - يمكن أن تضاعف مصر إنتاج الغذاء لديها.
من خلال التفاوض على معاهدات إدارة المياه، مع دول حوض النيل الأخرى، يمكن أن تشارك مصر في برنامج إقليمي لإدارة المياه سيغير منطقة شمال شرق أفريقيا إلى سلة خبز ليس فقط لدول الجوار، ولكن للعالم كله.
أيمن رشيد، وهو مهندس مدني من القاهرة، كتب اقتراحا بعنوان عبور أفريقيا، وهي خطة تنموية لشمال أفريقيا تتيح لمصر المزيد من المياه والأسمدة لتحقيق قفزات إضافية في الإنتاج الزراعي. هذه روح الثورة الخضراء الأساسية في خمسينيات القرن العشرين.
الدكتور فاروق الباز، العالم المصري - الأميركي الذي يدير برنامج الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن ويعمل مع وكالة ناسا، طور خطة تنمية أكثر تفصيلا لتحويل منطقة واسعة من مصر، تمتد من غرب نهر النيل من شاطئ البحر المتوسط إلى حدود السودان، إلى منطقة تنمية زراعية، تتوزع فيها مدن صناعية.
هذه البرامج ذاتية التمويل بعد رأس مال مبدئي ممكنة التطبيق، وهي تشكل مستقبل مصر وشمال أفريقيا.
هذه هي الورطة العميقة الأساسية التي تواجهها الحكومة المصرية في هذه المرحلة الحساسة: الجلوس مقابل ممثلي صندوق النقد الدولي والتفاوض معهم على شروط مقبولة تستطيع الحكومة تطبيقها دون المخاطرة بإشعال اضطرابات جديدة.