بدأت وزارة الصحة مؤخرا بتفويض جزء من صلاحيتها إلى مديريات الشؤون الصحية ومنها شراء الأدوية في الحالات الضرورية والعاجلة لكن هذه الصلاحيات تنقصها بعض الضوابط الرقابية
كثيراً ما نسمع ونقرأ في الوسائل الإعلامية، عن دخول حالات مرضية إلى المستشفيات تعاني من أمراض بسيطة، ثم تخرج بأمراض خطيرة ومضاعفات لا تعرف أسبابها، ومن ذلك على سبيل المثال: دخول مريض يعاني من التهابات بسيطة في الأنف والحلق وعند تلقيه العلاج قد يصاب بالشلل أو يدخل في غيبوبة، وفي مثل هذه الحالات يتم توجيه الاتهامات إلى هذه المستشفيات بوجود خطأ طبي أو تقصير وإهمال من قبل الأطباء، ثم تكشف التحقيقات عن عدم وجود أخطاء وأن الطاقم الطبي قد بذل العناية المهنية اللازمة، وعليه تحفظ القضية دون وضوح الأسباب!
لكن ماذا لو علمنا أن المريض قد تناول دواء أو تلقى حقنة فاسدة أثناء علاجه في المستشفى، وكانت هي السبب الرئيسي في وفاته أو إصابته بمرض خطير؟ هل سوف تفصح وزارة الصحة عن هذا السبب الخطير؟ أم أن هذا الأمر قد يسيء إلى سمعة الوزارة وبالتالي يتم التحفظ عليه؟
خلال الأسابيع الماضية نشرت الوطن تقارير صحفية ووثائق ومستندات حول استيراد صحة جدة أدوية مقلدة باسم مستشفى حكومي، وطلب أحد مسؤوليها فسح أدوية دون شعار أو تسعيرة، وكما كان متوقعا بالنسبة لي فقد كان رد الشؤون الصحية هو النفي واتهام الصحيفة بالتجني والجهل بالأنظمة!
وفي حقيقة الأمر أن الشؤون الصحية قد تجاهلت واقع ومشاكل ومخاطر مأمونية وسلامة الدواء وما تعانيه وزارة الصحة في هذا المجال، وكعادة بعض المسؤولين لدينا هو الدفاع الأعمى عن أية انتقادات تطال أجهزتهم، فبدلاً من معالجة المشكلة وانتهاج مبدأ الشفافية والوضوح في التعامل مع القضايا المهمة وخاصة التي تتعلق بصحة الناس، يتم التعامل معها بأسلوب عتيق وغير مهني مع التركيز على التفاصيل الثانوية وإهمال جوهر القضية بهدف التغطية على المشكلة الحقيقية، في الوقت التي تحتاج إلى المعالجة والتحليل والدراسة والمناقشة للحد من مخاطرها، فإذا كان التعامل مع الإعلام يتم بهذا الشكل عند كشف بعض القضايا الخطيرة، فكيف يتم التعامل مع الموظفين في الجهة نفسها عندما يكتشفون مثل هذه القضايا؟
لقد سلطت الوطن الضوء على قضية خطيرة تمثل أثرا لمشاكل تواجه القطاع الصحي عموما، وتتمثل في وجود خلل إداري ورقابي واضح نتج عنه استيراد أدوية مقلدة لبعض المستشفيات، بل وأضيف على ذلك بأن لدي شكوك في وجود أدوية ولقاحات فاسدة ومغشوشة أيضا قد تصرف للمرضى في المستشفيات أو المراكز الصحية، وهذه الشكوك لم تأت من فراغ وإنما تستند على وجود مؤشرات ومخاطر عالية نسبيا، وللأسف لا توجد أية إجراءات للتقليل أو الحد منها، وهي على النحو التالي:
أولا/ بدأت وزارة الصحة مؤخرا بتفويض جزء من صلاحيتها إلى مديريات الشؤون الصحية ومنها شراء الأدوية في بعض الحالات الضرورية والعاجلة وهذه الصلاحيات تنقصها بعض الضوابط الرقابية من أهمها المساءلة بالإضافة إلى وجود خلل في الهيكل التنظيمي للمديريات، فإدارات التموين الطبي ترتبط تنظيميا بمدير الشؤون الصحية، ولكنها في الواقع ترتبط بالإدارة العامة في الوزارة وبالتالي اختلاط الصلاحيات والمسؤوليات في الإشراف الفني والإداري على إدارة التموين في المديرية، وهذا ما يفسر تجاوز مديري التموين لمديريهم بالشؤون الصحية كما جاء في تقرير الوطن.
ثانيا/ بغض النظر عن الجهة المسؤولة عن الفحص المخبري للأدوية، تنشأ مخاطر بقاء أصناف الأدوية في المختبر لفترات طويلة جدا، ونتيجة لذلك قد تصرف الأدوية قبل ظهور نتائج التحليل، ناهيك عن مخاطر بقاء الأدوية في الجمارك وارتفاع تكاليف التخزين بالنسبة للمورد، والذي قد يلجأ إلى أساليب غير مشروعة مثل الرشوة أو النفوذ وبالتالي إمكانية دخول أدوية مغشوشة ومقلدة.
ثالثا/ تعاني العديد من مستودعات الأدوية في المديريات، من ضيق المساحة وانقطاع التيار الكهربائي، وهذه المشكلة موجودة أيضا في مستودعات بعض المستشفيات والمراكز الصحية، ومع رص كراتين الأدوية فوق بعضها بشكل عشوائي وارتفاع درجات الحرارة، تؤدي إلى تلف وفساد الأدوية واللقاحات ونظرا لعدم وجود فحص مخبري لها بسبب سوء التخزين، فإنها من الممكن صرفها للمرضى وهي فاسدة.
رابعا/ تنص معايير الرعاية الصيدلانية على أنه: يجب متابعة جودة الدواء إذا لاحظ أحد الصيادلة أن هناك أي اختلاف في تاريخ الصلاحية أو مفارقات في التصنيع أو أن الدواء غير مطابق للمواصفات..، ويجب على الصيدلي ملء نموذج مخصص لذلك ورفعه إلى إدارة الجودة النوعية والتي بدورها تقوم بمتابعة الموضوع وهل هذه الملاحظة مهمة أم لا، لكي يبدأ بحصر التشغيلة، ومعرفة هل هناك كمية من الدواء وما هو مصدرها، بالإضافة إلى وجود معيار آخر يتعلق باستخدامات الدواء ومدى فاعليته في العلاج.
والمعايير السابقة رغم أهميتها كإجراءات رقابية على عقود وصفقات الأدوية، والتي تقلل من مخاطر توريد أدوية مقلدة أو مغشوشة، قد لا تطبق في أقسام الصيدلية إما بسبب عدم الإلمام بها أو لوجود نقص في الصيادلة المختصين، أو الخوف من كشف أدوية ولقاحات فاسدة والتعرض لضغوط إدارية أو نقل تعسفي.
لا شك أن موضوع الأدوية ذو حساسية بالغة، حيث إن الأخطاء فيه قد تؤدي إلى عواقب جسيمة، والمخاطر التي تم استعراضها آنفا ما هي إلا جزء يسير من المشكلة، وفي ظل صمت وزارة الصحة وتحفظ مديريات الشؤون الصحية وخوف المختصين، فإن الأمل معقود على المركز الوطني للتيقظ والسلامة الدوائية التابع للهيئة العامة للغذاء والدواء والذي يختص بمتابعة الأدوية بعد تسويقها وتقييم جودتها واستلام البلاغات المتعلقة بهذا الشأن، ونحن بحاجة ماسة إلى تفعيل هذا المركز، وإلى حماية الصيادلة الذين يقومون بالإبلاغ عن أدوية مقلدة أو فاسدة وذلك لتحقيق الرعاية الصيدلانية والدوائية الآمنة للمرضى.