المفاوضات الإيرانية مع الغرب لا فائدة منها ما لم تحصل القوى الغربية على موافقة الولايات المتحدة، لذا ستسعى إيران، سرا أو علنا، للقاء أميركا بشكل ثنائي بعد الانتخابات الرئاسية
يعتقد بعض المحللين أن التوتر في شبه الجزيرة الكورية واحتمالات المواجهة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية ألقيا بظلالهما على المحادثات بين إيران ودول مجموعة 5+1 في المآتة، كازاخستان. المحادثات التي يخوضها الدبلوماسيون الإيرانيون شبيهة بتلك التي كانت تجريها الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية في 1990 لإقناعها بالتخلي عن برنامجها النووي. الفرق الوحيد هو أن السلطات الإيرانية تدعي أن برنامجها هو لأهداف مدنية. استطاعت كوريا الشمالية أن تصنع القنبلة وهي تهدد اليوم بمهاجمة الولايات المتحدة برأس نووي. ورغم النتائج الكارثية التي يمكن أن يؤدي إليها مثل هذا التهديد في حال تنفيذه، إلا أن الولايات المتحدة لم تأخذه على محمل الجد، لكنه مع ذلك لا يزال جديا بما فيه الكفاية ليقلق العالم بأسره.
علاء الدين بوروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي والأمن الخارجي في البرلمان الإيران، صرح للتلفزيون الإيراني يوم السبت الماضي بأن العرض الذي تلقته إيران من الدول الغربية في المآتة مثير للسخرية، لأن الاتحاد الأوروبي يطلب من إيران التوقف عن جميع نشاطات التخصيب مقابل رفع جزء بسيط من العقوبات مثل تجارة الذهب. وبحسب مهدي غضنفر، وزير التجارة والتعدين، فقد خسرت إيران حوالي 100 مليار دولار هذا العام من دخل النفط وحده.
ربما كانت طموحات وتوقعات المفاوضين الإيرانيين والمرشد الأعلى أكبر من العرض الذي تلقته إيران في الاجتماع الأخير مع دول مجموعة 5+1، لكن الإحباط لم يغير حقيقة أن كلا الجانبين أعلنا عن استعدادهما للقاء مرة أخرى في المستقبل القريب.
كبير المفاوضين الإيرانيين السيد جليلي والسيدة كاترين أشتون أكدا بعد يومين من الاجتماعات في المآتة أن المحادثات كانت مكثفة وصعبة، ومع ذلك فإن الجانبين سيستمران في التواصل عبر الهاتف من أجل التعاون المستقبلي. السيد جليلي أشار بوضوح في مؤتمر صحفي إلى أن إيران لن تتخلى عن حقها القانوني في تخصيب اليورانيوم لنسب تتراوح بين 3-20%.
العقوبات الغربية على إيران تسببت بصدمة كبيرة للاقتصاد الإيراني، ولذلك فإن من الطبيعي أن تتطلع طهران إلى حل للخروج من الطريق المسدود، شريطة أن يكون الحل قابلا للتبرير أمام الشعب الإيراني. بعد سنوات من المبالغات حول المشروع النووي وربط ذلك مع الشعور القومي لدى الشعب الإيراني، ارتفعت طموحات الناس إلى درجة يصعب معها على الحكام تغيير السياسة بسهولة.
وقد توصلت إيران إلى نتيجة بديهية هي أن المفاوضات مع الغرب لا فائدة منها ما لم تحصل القوى الغربية على موافقة الولايات المتحدة، لذلك علينا ألا نفاجأ إذا سعت إيران، سرا أو علنا، للقاء الولايات المتحدة بشكل ثنائي بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية بفترة وجيزة. المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قال في 21 مارس إنه ليس متفائلا حول المفاوضات مع أمريكا، لكنه مع ذلك لا يعترض عليها.
كان من المنطقي أن تصوت إيران ضد اتفاقية تنظيم تجارة مبيعات الأسلحة. المحاولات العالمية لتنظيم تجارة الأسلحة التقليدية وجدت مقاومة قوية من إيران وسورية وكوريا الشمالية، ومع ذلك فقد صادقت الأمم المتحدة على الاتفاقية في الجمعية العامة بموافقة غالبية الدول الأعضاء رغم رفض هذه الدول الثلاث. وبالطبع فإن أكثر جزء اعترضت عليه هذه الدول في الاتفاقية هو الجزء المتعلق ببيع الأسلحة التقليدية الخاضعة لعقوبات أممية. وبالنسبة لإيران فإن العقوبات المفروضة عليها متعلقة ببرنامجها النووي، ولذلك كان هناك ربط بين موقفها من هذه الاتفاقية وبين المفاوضات الخاصة ببرنامجها النووي. هذه الاتفاقية يمكن أن تشكل عامل ضغط إضافي على إيران في الجولة القادمة من المباحثات النووية مع القوى العالمية.
كوريا الشمالية أعلنت حالة الطوارئ وهددت الولايات المتحدة باستخدام السلاح النووي ضدها في حال استمرت أميركا في تصعيد حالة التوتر بين البلدين. ورغم أن موقف إيران لا يشبه موقف كوريا الشمالية أو سورية بالنسبة للدول الغربية، إلا أن العلاقات الإيرانية مع الدول الغربية لا يمكن وصفها بأنها ودية، ولذلك فإن من الطبيعي أن تسعى إيران للحصول على ضمانات أمنية من دول مجموعة 5+1 ضمن أي اتفاقية يمكن التوصل إليها بين الجانبين في المستقبل. وإيران تعرف أن هذه الضمانات الأمنية يجب الاتفاق عليها أولا مع الولايات المتحدة قبل أن توافق باقي الدول عليها.
علاء الدين بوروجردي قال في لقائه مع التلفزيون الإيراني إن باكستان تملك القنبلة النووية ومع ذلك تقوم الطائرات الأميركية بقصف مناطق باكستانية كل يوم دون موافقة السلطات الباكستانية. وتساءل ماذا يستطيعون أن يفعلوا؟ هل القنبلة النووية ساعدتهم؟.
القضية كلها تتلخص في إقناع القوى العالمية بأن برنامج إيران النووي هو لأهداف سلمية. وطالما أن إيران وصلت لقناعات محددة، فإن مباحثات مباشرة بينها وبين الولايات المتحدة يمكن أن تساعد على إيجاد حل لهذه القضية المستعصية حتى الآن، وبالتالي تستطيع دول المنطقة أن تتنفس الصعداء للانتهاء من هذه الأزمة.