ذات منتدى إليكتروني، اختلف نفر من المثقفين، حتى وصلوا إلى التشاتم، وأردت ـ صادقا ـ أن أكون الناصح الأمين، فكتبت إليهم:
أيها الأصدقاء..
كلما دخلت إلى هذا الموضوع تساءلت:
لماذا نعمد إلى الكتابة الجارحة؟
ولماذا نهدر طاقاتنا الكتابية فيما لا يفيد؟
لماذا لا نستثمر هذه الطاقات في أعمال إبداعية معجبة تضيف إلى رصيدنا, أو في دراسات نقدية جادة تجلو ما نكتبه بطريقة علمية لا همز فيها ولا لمز ولا غمز؟ ألا ندخل بهذه الأساليب الكتابية الاستفزازية في دهليز مظلم لا مخرج منه إلا إلى أعماقه؟ وما الإضافة التي يضيفها الاستفزاز إلى رصيدنا الفكري والإبداعي؟ وهل باتت مهمة القادر على الكتابة أن يصفي حساباته مع المحيطين به بأسلوب ينزه الذات, ويصب على الآخرين الأخطاء صبا؟
أيها الأحبة..
ويحق لكم أن تتداخلوا وتتحاوروا تصحيحا, ونقدا, وتأييدا, ورفضا, ونقضا، لـكن, دون أن تتضمن مداخلاتكم كل هذه الانتقاصات, والتلميحات التي تجعل من الرأي جريمة يستحق عليها العقاب!
ليس من الثقافة أن نصف الأحداث والمواقف..
وليس منها أن نجلد من مارس ذلك بسياط التجهيل, والتصغير ..
إن مهمتنا أكبر وأجل وأسمى من ذلك؛ مهمتنا أن نضع أقلامنا على مكامن الداء لنضع المجتمع أمام واقعه, ونستشرف الطريق الصحيحة إلى أيام أجيالنا القادمة، من أجل إحقاق الحقوق, وتحقيق الحرية والعدالة والسلام، ووضع الرجال المناسبين في أماكنهم المناسبة, لئلا يشعر – بعد ذاك – أحد بظلم يجعله حانقا حادا غير قادر على التخلص من غضبته على كل ما يحيط به.
أليس ذلك أجدى؟
أليس من الأجدى أن نحاول نسج خيوط العلاقات بين الأشياء والناس؟ وأن نكتب من أجل تغيير ثقافة المجتمع والسلطة؟ وأن نحاول معرفة أماكن الخلل الذي يجعلنا نشعر بأن كل شيء يتربص بنا؟
إن ما أراه – في المتن والردود هنا – ليس إلا صورة من أخطائنا التي تحول الكاتب, أو المثقف إلى حانق غاضب لا يهتم إلا بإصابة الآخرين بسهام قلمه, ولا يستطيع إدراك مهامه الأسمى تجاه الدولة, والناس, وهو نتيجة أخطاء كبيرة تتمثل في عدم تحقيق العدالة, وتقديم العلاقات الاعتيادية على الحقوق الحقيقية, مما يجعل الناس، كل الناس، يستشعرون الظلم.
وأمام المشكلة, يجب أن نتجه إليها, وحسب, وندع ما سواها من الحسابات الشخصية؛ ذلك أن التبصير بها سيحل الكثير من مشكلاتنا التي تتسبب في مثل هذه الإفرازات الكتابية المفرقة, والسادية, والمستفزة, والمهدرة..
أرجوكم.. تخلصوا من كل هذا, واتجهوا إلى ما هو أهم.. ليس أمرا, وإنما هو رجاء.