الرياض: الوطن

ما زالت العاصمة الرياض تسرد من خلال أحيائها الشعبية قصة المسجد، والبيت العتيق، والمزرعة، والطرقات الضيقة التي اتصلت ببعضها بعضا منذ آلاف السنين لتشكل في مُجملها أحياء قديمة مثل: عتيقة، والسبالة، ومعكال، ومنفوحة، راسمة لقاطنيها عبر حقب تاريخية مختلفة حياة اجتماعية خاصة، بقي إرثها خالد في ذكريات أهالي مدينة الرياض وزوّارها منذ ذلك الحين حتى وقتنا الحالي.
اختلف كثير من الجغرافيين والمؤرخين حول من أطلق اسم الرياض على مدينة الرياض، إلا أنهم أجمعوا على أن هذا المسمى قد أطلقه أهالي القرى المجاورة للمدينة في أزمنة قديمة، وليس أهالي الرياض، وذلك لكثرة الروضات التي كانت تحيط بها من كل الجهات، وتركّز النخيل في الجنوب، والجنوب الغربي، والجنوب الشرقي للرياض، في حين تميزت أحياء الرياض آنذاك بوجود مسجد كبير في كل حي، برز فيه عالم كبير للصلاة والإمامة، والتدريس، والخطابة، والقضاء. هذا الإرث التاريخي الكبير الذي حملته أحياء الرياض عبر عصور مضت، وما اكتسبه هذا الإرث من أهمية اجتماعية وسياسية واقتصادية للمنطقة، قدّمه خالد بن أحمد العنقري، في كتابه (معجم مدينة الرياض) بطبعته الثالثة المنقحة، روى في فصوله المختلفة تفاصيل دقيقة عن أحياء مدينة الرياض القديمة ومسمياتها، وأهلها، موثقة بالمصادر والمعلومات، وفق ترتيب أبجدي، يسهل على القارئ الوصول إلى كل معلومة من خلال الحرف الذي يبدأ فيه الاسم.
تناول العنقري، الآبار التاريخية في الرياض، وعددها 15 بئراً، مبرزاً مواقعها القديمة، ومحدداً المندثر منها، مع بيان نوعية الماء فيها، ومدى استفادة الأهالي منها قبل أن تبدأ الدولة في جلب المياه من آبار السويدي (حي السويدي الآن) حيث عرفت أرضه بغزارة المياه العذبة.
جمع العنقري أسماء 475 حياً ومسجداً، عرفت في الرياض قديماً منها ما كان اسمه منسوباً للمكان، ومنها ما كان منسوباً لبعض أسر أهالي الرياض، ولا يزال معظمها موجودا حتى الآن مثل: السويدي، وأم سليم، ومنفوحة، وأم الحمام، والمرقب، ومعكال، والمعيقلية، والمعذر، والفوطة، والمربع، وغبيراء، والعطايف، والعريجاء، وعليشه، والشميسي، وسلطانة، والجرادية، والثميري، إلى جانب مساجد: الشيخ، وأم ماجد، والجفرة، وسلام.
وأوضح أن كل حي من أحياء الرياض، عُرف بسمة حضارية مغايرة للحي الآخر، حيث عرف حيدخنة بمركز العلم والعلماء، والمريقب بمقر المحاربين، وصياح بمكان الزراعة، والمعيقلية بمقر المهن والحرف اليدوية. ولم يغب عن المؤلف ذكر أسماء الأسر التي كانت لها مكانة في تاريخ الرياض، ولعبت دوراً مهماً في تنشيط الزراعة فيها في تلك الفترة، علاوة على توضيح دور الزراعة في حياة أهالي الرياض واهتمامهم بها من أجل كسب لقمة العيش، مثل زراعة النخيل، التي كانت تنتشر في أنحاء مختلفة من الرياض.