أنس محمود الشيخ
كردستان العراق

لا يمكن لأي سياسي أن يستمر بالكذب طويلا على شعبه فلا بد للحقيقة أن تظهر ولو بعد حين، هذا ما حصل تماما مع المالكي في الآونة الأخيرة، فقد حاول الرجل ومنذ ولايته الأولى الظهور بمظهر السياسي الذي يطمح بالمزيد للشعب من الخير والاستقرار، ولا يمنعه في ذلك إلا شركاؤه في حكومة الشراكة الوطنية، واستطاع إلى حد ما الاعتماد على هذه النقطة في التقليل من شعبية الأحزاب والائتلافات الأخرى. وتأتي الأحداث الأخيرة لتكشف حقيقة السياسة الخادعة التي يمارسها المالكي على هذا الشعب، وليكتشف الشعب أن المالكي هو من يقف عائقا في بناء عراق ديموقراطي بدون مشاكل سياسية.
ففي الفترة الأخيرة مر بالعراق حدثان لو حدثا في أصغر دولة في مجاهل أفريقيا لتنحى واستقال المسؤول الأول فيها ولفسح المجال أمام غيره لترميم ما أفسده. ففضيحة صفقة الأسلحة الروسية للعراق مع ملف البطاقة التموينية أظهرا بشكل لا يدع مجالا للشك بأن المالكي هو أخطر ما واجه العراق خلال تاريخه الحديث، فبعد شد وجذب وبعد أزمة سياسية شنجت الوضع السياسي أكثر مما كان عليه أصر المالكي وبشكل يدعو للاستغراب على إبرام صفقة أسلحة مع روسيا بملايين الدولارات مبررا إصراره هذا بوجوب بناء جيش قوي بمصادر أسلحة متنوعة الأمر الذي أيده فيه الكثير من البسطاء من الشعب غير مدركين بأن استماتة المالكي في إبرام هذه الصفقة لا علاقة لها بوطنية، بل للحصول على منافع شخصية له ولمن حوله وهذا ما كشف لاحقا.
وقد فضح أمر هذه الصفقة حسب مصادر روسية بينما الوفد العراقي كان لا يزال في روسيا، حيث أبلغ بوتين المالكي بأن الوفد العراقي يطالب بعمولة مقدارها 195 مليون دولار، وعلى الرغم من ذلك استمر الوفد في عقد الصفقة. والغريب في الأمر أنه بعد عودة الوفد العراقي لم تشكل أي لجنة تحقيق للتأكد من ملابسات الموضوع على الرغم من أن القضية كانت واضحة للمالكي وكان المفروض به كونه رئيس الوزراء وحاميا للقانون والعدالة أن يحاسب هذا الوفد (حتى إن كان غير مشارك في الفضيحة هذه) كما يفعل مع غير المنتمين لخطه وتوجهاته ولكن بعكس ذلك فقد بدأت الآلة الإعلامية ووسائل الإعلام المجيرة له وكما هي عادتها بتصوير الصفقة وكأنها إنجاز تاريخي للمالكي وانتصار وطني للعراق والعراقيين. وبدلا من ذلك فتح المالكي جبهة أخرى لمحاربة الفساد واختار هذه المرة أهم ملف مرتبط بصميم الحالة المعيشية للفرد العراقي، فقد أقر مجلس الوزراء بإلغاء نظام البطاقة التموينية، وكأن كل الفساد الموجود في العراق هو بسبب وجود هذا النظام الغذائي الذي يتعلق بصميم قوت الشعب الأمر الذي أثار سخط شريحة واسعة من الشعب والأحزاب العراقية والمراجع الدينية في النجف وكربلاء مما حدا بالمالكي ليتستر بستار مجلس الوزراء والكتل السياسية المشاركة ويدعي بأن مجلس الوزراء قد وافق على هذا القرار بالإجماع الأمر الذي كذبه ممثل التيار الصدري مبينا أن وزراء التيار الصدري لم يوقعوا على هذا القرار مما يعتبر مؤشرا آخر على أن القرارات تتخذ بدون علم مجلس الوزراء ويتفرد بها المالكي دون أخذ رأي أحد.
ويخرج لنا بعد ذلك (المالكي) ليدعي بأن من يقف ضد هذا القرار هم المستفيدون ماديا من استمرار نظام البطاقة من أصحاب العمولات، وإذا كان هذا الادعاء صحيحا فالأولى أن يحيلهم إلى التحقيق والمساءلة باعتباره قد حددهم ويعرفهم ويعرف توجهاتهم. وهل محاربة الفساد في أي مرفق من مرافق الدولة تكون بإلغاء هذا المرفق؟
وبعد أيام من إثارة هذه الأزمة يخرج إلينا مسؤول من ائتلاف المالكي بتصريح بأن الحكومة كانت بصدد تطبيق قرار إلغاء البطاقة التموينية على محافظة واحدة بداية لقياس مدى النجاح فيها واتخاذ القرار التالي بناء على تقييم النتائج في المحافظة هذه.
ولا أعرف كيف كان المالكي وحكومته سوف يطبقون قرار الإلغاء هذا على محافظة واحدة وكيف كانوا سيتمكنون من دراسة النتائج فيها والمنطق يقول إنه من المستحيل تطبيق أي حالة اقتصادية معينة على مدينة واحدة مفتوحة على مدن أخرى محيطة بها.