هناك ثلاث جهات تسهم في تقديم مساكن للمواطنين، فهناك جهود وزارة الإسكان، والإسكان الخيري، وهناك تمويل البنوك، لكن المؤمل أن تقدم الاستراتيجية التي أعلن عنها وزير الإسكان في منتدى جدة الاقتصادي حلولا جذرية

في منتدى جدة الاقتصادي بشّر وزير الإسكان البلاد بإستراتيجية جديدة ستقوم بحلٍ جذري للإسكان في المملكة، ونحن إذ نستقبل هذه البشرى بفرحٍ بالغ لنأمل أن نرى أثر هذه الإستراتيجية على الواقع.. وفي ذات المنتدى قدم الدكتور عبدالله دحلان رئيس مجلس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا دراسة علمية قائمة على أرقام وإحصائيات عن مشكلة الإسكان في المملكة.. نستعرضها معكم هنا.. وبدأت الدراسة بطرح السؤال التالي: هل أزمة الإسكان حقيقة؟
تقول الدراسة التي قدمها الدكتور دحلان في ورقته للمنتدى الاقتصادي لهذا العام في مدينة جدة، إن أزمة الاقتصاد حقيقة.. قد تتحول إلى كارثة ..لكن الجميل في الدراسة أنها متفائلة وأن الأزمة يمكن أن تحل حسب المقترح الذي قدمه في الدراسة، وبينت الدراسة أن 67% من السعوديين يقطنون في مساكن يملكونها، لكنها استدركت بالقول إن 30% من السعوديين يسكنون في مساكن يجب تغييرها لعدم ملاءمتها.. وأرجع السبب في الأزمة إلى نقص الأراضي المخصصة للبناء، لأن المساحة التي يتطلبها الإسكان تبلغ 350 مليون متر مربع، منها 280 مليون متر مربع تم تطويره، و140 مليون متر مربع غير مطورة، والفجوة تصل إلى 70 مليون متر مربع.. وأفادت الدراسة أن حجم تمويل صندوق التنمية العقاري هو 24% و84% من البنوك. وقدمت الدراسة إحصائية لتمويل البنوك خلال العشر السنوات السابقة 2000- 2011، وأفادت الدراسة أن تمويل البنوك في تزايد، حيث بدأت بـ 4% عام 2000 ووصلت النسبة 16% عام 2011م.. وعند الحاجة خلال العشر السنوات 2012 – 2022 القادمة أشارت الدراسة إلى وجود فجوة كبيرة بين العرض والطلب، حيث سيقل عدد السكن المطلوب عام 2022م حوالي 270 ألف مسكن، بينما العرض سوف لا يتعدى 16 ألف مسكن.. وبالنظر إلى هذه المعطيات قدمت الدراسة مقترحات لحل أزمة الإسكان، على وزارة الإسكان أن تدرسها بعناية.. ومنها توفير أراض مطورة وتوفير التمويل العقاري.. وأخذت الدراسة في الحسبان النمو العقاري، وكذلك الوافدون وتزايدهم، نظراً للنهضة التطويرية التي تشهدها المملكة العربية السعودية وحجم المشروعات التي تكشفها أرقام الميزانيات التي تشهد ارتفاعاً عاماً بعد آخر.. وقدمت الدراسة معلومات بالغة الدقة عن أسعار الأراضي، ليس في المدن فحسب، بل أيضاً في أحياء المدن.. هذا استعراض سريع لدراسة معمقة تم عرضها في منتدى جدة الاقتصادي وبحضور وزير الإسكان الذي نتطلع أن يتسع صدره لمثل هذه الدراسات العلمية التي تكشف، على أساس علمي، حجم المشكلة، ليس هذا فقط، فالدراسة التي بلغ عدد صفحاتها 63، تقدم بين ثناياها مقترحات نأمل أن تكون قد أخذت في الحسبان في خطط الوزارة وإستراتيجيتها.. نقول ذلك ونحن نعرف أن هناك جهودا حثيثة من الدولة لمعالجة الإسكان، وعلى رأس تلك الجهود إعادة وزارة الإسكان برؤية جديدة.. وكما ذكرت فقد استمعنا ببالغ الفرح إلى وزير الإسكان في المنتدى وهو يقول إن هناك استراتيجية للإسكان سترى النور هذا الشهر (مارس 2013) والدراسة التي قدمها الدكتور دحلان لا يمكن أن تهمل، ولا بد أن تكون هذه الاستراتيجية قد أخذت ما ورد فيها من قضايا، لأن البحث العلمي والقرارات والسياسات المبنية على نتائج دراسات علمية هي التي ستعمل على ضرب كل مشكلة في مقتل.. بدلاً من أن نبني قراراتنا وسياساتنا على اجتماعات نتحدث فيها بما نراه ولا يكشف الواقع بدقة.
العالم المتقدم لم يتقدم إلا بالبحث العلمي وبدراسة قضاياه ومشاكله بشكل علمي، ويأخذ قراراته بناء على نتائج تلك الأبحاث العلمية ..
كما أنه من الموضوعية الإشارة إلى أن هناك ثلاث جهات تسهم في تقديم مساكن للمواطنين سعياً لمعالجة أزمة الإسكان، فهناك جهود وزارة الإسكان.. وهناك الإسكان الخيري.. وهناك تمويل البنوك.. لكن المؤمل أن تقدم الإستراتيجية التي أعلن عنها وزير الإسكان في منتدى جدة الاقتصادي حلولاً جذرية لهذه المشكلة.. ولعل المشكلة الرئيسية في أزمة الإسكان، كما وردت في دراسة الدكتور دحلان، هي الأراضي، ونحن لا نفهم كيف يكون ذلك في دولة مثل المملكة تتمتع بمساحات بالغة الاتساع .. كما لا نفهم بعض الاقتراحات التي وردت في المنتدى أن يكون التوسع رأسياً في المساكن، ونحن نعلم أن التوسع الرأسي في المساكن في مدن تحيط بها بحيرات أو جبال أو أودية، بحيث يضيق التوسع الأفقي فيها.. لكن في بلد مثل المملكة العربية السعودية لا يجب أن يكون التوسع الرأسي هو الحل.. ولهذا فقد يكون من المناسب أن تلجأ وزارة الإسكان إلى تحديد مساحات خارج المدن تقوم بتطويرها بما تحتاجه من البنية التحتية، ثم نبني عليها مساكن، هنا سنقوم باصطياد عصفورين بحجر.. الأول التعامل مع هذه الأزمة بنجاح.. الثاني انخفاض أسعار الأراضي.. لأن أصحاب الأراضي الذين يبقونها لفترات طويلة حتى ترتفع أسعارها مع اشتداد أزمة الإسكان نظير زيادة عدد السكان والوافدين وزيادة الطلب على الإسكان، كما ورد في دراسة دحلان، هذه الحيثيات تدفع أصحاب الأراضي لعرضها بشكل تدريجي عندما تصل إلى السعر الذي يريدونه.. تحتاج وزارة الإسكان إلى حلول غير تقليدية.. تحتاج أن تدفع الأفق وأن تفكر بشكل مختلف، لأن الانتظار سيحول مشكلة الإسكان إلى أزمة.. نحن نقول هذا، وكلنا أمل.. وتطلع وتفاؤل، وتضرع إلى الله عز وجل أن يوفق جهود الدولة الحثيثة الصادقة.. إلى معالجة هذه الأزمة.. وأن يوفق وزارة الإسكان أن تبني حلولاً مختلفة عن طريق تفكير مختلف.. ولعل تطوير مساحات جديدة كبيرة في كل مدينة هو الحل.. نعرف أن هذا الحل صعب لكنه ليس مستحيلا ..
كل الدعاء بالتوفيق لكل جهد مخلص لبناء وطننا وخدمة مواطنيه.