على الرغم من محاولات أربع جهات حكومية، فما زال المسرح السعودي 'بلا هوية'، لعدم وجود أساس تعليمي، حيث تم إغلاق قسم المسرح في كلية الإعلام بجامعة الملك سعود الذي كان يعد الأمل الوحيد

السباعي: جئت كي أدعوكم لحضور حفل افتتاح مسرحي غداً إن شاء الله (مسرحية فتح مكة)
محتسب: نحن نعارض إنشاء المسرح، وخاصة في مكة المكرمة، وإذا كان اليوم يقدم مسرحية فتح مكة فغداً يتحول إلى ملهى، يقدم رقصات يختلط فيها الرجال بالنساء.
السباعي: المسرح خصص لتقديم المسرحيات التاريخية الإسلامية، ومثلي يترفع عن تحويله إلى ملهى، فضلا عن أن العنصر النسائي لن يكون له وجود على مسرحي.
محتسب: هذا الآن، ولكن ليس لدينا ضمان على تقديم مسرحياتٍ مفيدة مستقبلاً.
محتسب آخر مقاطعاً: لا تنس أن التمثيل حرام، لأنه يقوم على الكذب، فإنه عندما يتقمص الممثل شخصية فلان بن فلان فهو ليس في الحقيقة فلانا بن فلان، وهذا خداع وتضليل وكذب محرم.
محتسب: نحثك على إلغاء مشروع المسرح، وإذا كان لا بد فيمكن أن تنشئه في جدة.
السباعي: وهل هناك فرق في الإسلام بين أن يكون المسرح في مكة أو في جدة؟ فإذا كان الإسلام يحرم المسرح في مكة فكيف يسمح به في جدة؟
وبمغادرة السباعي للمكان بعد تأكيده ترحيبه لهم بحضور الافتتاح، انتهى الحوار.
دارت أحداث هذا الحوار في مدينة مكة سنة 1382هـ، عندما قام أحمد السباعي ـ الذي بدأ حياته بعمل أدبي مميز هو رواية فكرة ـ بالتفكير خارج الصندوق وقرر إنشاء مسرح يطلق عليه اسم: دار قريش للتمثيل القصصي، كيف لا وهو عاشق مسرح يوسف بيك وهبه، الذي كان محظوظاً بارتياده له في تلك الفترة لتردده على القاهرة بسبب عمله مطوفا للحجاج المصريين آنذاك، وفي عام 1381هـ، تقدم لوزارة الإعلام بطلب إنشاء مسرح يقام على أرض يملكها بجوار منزله بحي جرول في مكة المكرمة، وأدخل اسم قريش، لأنه كان يصدر مجلة اسمها قريش من دار قريش للطباعة والصحافة التي يملكها أيضاً.
أتت موافقة الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله عام 1381هـ، فقام السباعي بإحاطة الأرض بسور، وهيأ مسرحا وأتى بلوحات متعددة مرسوم عليها خلفيات تصاحب كل مشهد، ووفر ثيابا وإكسسوارات للممثلين، وحوالي ألف كرسي للجمهور، عوضاً عن شباك التذاكر الذي كان يقع خارج المسرح. غير أن المحتسبين سعوا إلى إيقاف الافتتاح، فأُوقف ولم يتحقق للسباعي ما أراده.
وهكذا كان وأد فكرة أحمد السباعي رائد المسرح السعودي، لولادتها خارج الصندوق.
وبما أن وزارة الثقافة والإعلام الآن أقامت حفلاً تحتفي فيه باليوم العالمي للمسرح، فلنعزي العشرين متدرباً من محبي التمثيل في المسرح المدرسي، الذين تدربوا على مسرحية فتح مكة في أحلامهم التي ماتت على سطح مطبعة قريش حيث كانوا يتدربون، ولا ننسى العشرين الآخرين الذين تدربوا على مسرحية بعنوان مسيلمة الكذاب.
وبعد تلك البدايات المتعثرة للمسرح السعودي، كان لوزارة المعارف دور بارز في إيجاد المسرح مع غيره من مناهج التعليم، وكانت أيضا مكة المكرمة هي البداية والانطلاقة الحقيقية، وكان لكلٍ من ثانوية الرياض، والمعاهد العلمية وكلية الشريعة التابعة للمفتي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، ومعهد الأنجال، مسارح يمارس الطلاب عليها التمثيل.
تلك المحاولات شجعت وزارة المعارف التربية والتعليم على إحداث النشاط المسرحي كفرع من فروع النشاط المدرسي واستقدام الخبراء له، ولوزارة الإعلام أيضا دور في إعطاء مفهوم جديد لمن لا يعرف ماهية المسرح، من خلال مسرح الإذاعة ومسرح التلفزيون، ولا ننسى دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب في الحركة المسرحية السعودية الحديثة من خلال الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون التي تعد الأب الشرعي للمسرح السعودي الحديث، ولا نستطيع أن نغفل أيضا دور الجامعات فكان لكل منها مسعاها الخاص، فاهتمت جامعة الملك سعود في الرياض بتقديم المسرح المتنوع وسعت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى بلورة المسرح الإسلامي. وهكذا الحال مع الجامعات الأخرى مثل جامعة الملك عبدالعزيز في جدة وجامعة الملك فهد للبترول المعادن في الظهران.
وعلى الرغم من محاولات أربع جهات حكومية مختلفة، فما زال المسرح السعودي بلا هوية،
لعدم وجود أساس تعليمي، حيث تم إغلاق قسم المسرح في كلية الإعلام بجامعة الملك سعود الذي كان يعد الأمل الوحيد للمسرح السعودي، ولم يتبق له إلا ما تقوم به أمانة الرياض على مسرح مركز الملك فهد الثقافي، وهو ـ برغم جماله كفعل - لا يغني ولا يسمن من جوع.
كم أتمنى من وزارة الثقافة والإعلام أن تتبنى فكرة إنشاء معاهد للفنون والدراما في الجامعات السعودية، فقد مللنا استراحة ما بين الفصلين يا وزارة الثقافة.