تابعنا جميعا المظاهرات التي قام بها مجموعة من المتحمسين للتيارات الإسلامية في مصر خلال الأيام الماضية، وقاموا خلالها بإغلاق مداخل مدينة الإنتاج الإعلامي، ومنعوا جميع الإعلاميين من الدخول أو الخروج من المدينة، وذلك احتجاجا ـ كما قالوا ـ على ما وصفوه بالغطاء السياسي من الإعلام لانتقاد الرئيس المصري محمد مرسي، وذلك في تجل واضح لمحدودية فهم هذا التيار وأتباعه لفكرة الديموقراطية ومنتجها الشرعي المسمى حرية التعبير، التي قامت ثورة بلادهم من أجلها ومات في سبيلها أبطال حقيقيون.
لم أكن من المؤيدين في الماضي البعيد لفكر الإخوان، رغم إعجابي بقدرتهم على الصمود لأكثر من ثمانية عقود في وجه الاضطهاد والتنكيل، الذي عانوه من الأنظمة السياسية التي حكمت مصر، ولم أكن من المساندين لهم فكريا أوتنظيميا في الماضي القريب، عندما قاموا بالبروز في عدد من الدول كخيار شعبي لحكم الدول التي عرفت بدول الربيع العربي، ولكني كنت دوما أقول بضرورة أن يمنحوا فرصة الحكم، إن كان ذلك خيار الشعب كي يظهر للمتشككين والمؤيدين مدى جديتهم وحقيقة موقفهم من شعارات الحرية والعدالة والمساواة، التي روجوا عبرها حملاتهم الانتخابية، حتى وصلوا للحكم ولكرسي الرئاسة.
اليوم تنكشف للعيان مواقف الأتباع، الذين يشكلون القوى الحركية للفكر العقائدي لتلك الجماعة، فتحرك الشارع لا يمكن له أن يتم لولا غطاء مرجعي، فمثل تلك المجاميع عرفت عبر تاريخها بالولاء المطلق لرأي الزعيم، والذين لا يمكن لهم أن يتحولوا في تصرفاتهم على أرض الواقع، لولا فتوى أو رأي يجعل من ذلك التحرك أمرا مقبولا وربما مطلوبا.
فكرة الحرية ـ التي تشكل نصف اسم الحزب السياسي الإخواني ـ هي في حقيقة الأمر تضليل تثبته على أرض الواقع مواقف أتباعهم، فتحركات الميلشيات الإخوانية في مدينة الإنتاج الإعلامي، ما هي إلا دليل قاطع على كفر هذه الجماعة بفكرة الرأي الآخر، والعمل السياسي الديموقراطي، والعمل بكل مبادئ ثورة 25 يناير التي اختطفها هؤلاء زورا، وألبسوها ثوب حزب طالما كان سريا، والكل في هذا الصدد يعلم كيف يفكر ويعمل الحزب السري.
كنت أقول حتى الماضي القريب: لتعطوا الإخوان فرصة للحكم، إلا أني اليوم أدعوالعقلاء من أبناء مصر أن يقرؤوا الأحداث كشعب يحركه المنطق والعقل، فالعاطفة حينما حركتهم أتت لهم بمجوعة انتهازية قادرة على تحويل بلدهم العظيم لأفغانستان شرق أوسطية، لا تؤمن إلا بدين فصّلوه كي يأتي بمقاس أطماعهم السياسية.