يجب عليّ وعلى كل مسلم دفع الانطباع السلبي الذي ينتج عن تصرفات هذا الشخص وأمثاله، وتؤدي إلى ابتذال لصورة الدين في أذهان الناس

الفترة القياسية التي تم فيها القبض على خطيب أحد جوامع مدينة عنيزة، وعضو المجلس البلدي، ورجل الأعمال المعروف، وصاحب مؤسسة التسهيلات القابضة، الذي نصب على مئات المساهمين تستحق الإعجاب والتقدير، ولكنها لا تخلو من الدهشة والاستغراب لما تحمله من المتناقضات.
أسبوع واحد فقط مشحون بردة فعل اجتماعية وإعلامية وربما أمنية كان كافيا لإلقاء القبض عليه بعد أن قرر خلع عباءة الدين ونزع سوار الحصانة إثر خروجه على غلاف إحدى المطبوعات بمظهر غير مألوف وبعيد كل البعد عن مظهر رجل الدين الذي تدثر بردائه فترة طويلة، يأتي ذلك في مقابل أربع سنوات قضاها متنقلا بين جدة والرياض يمارس أعماله - حسب قوله- دون أن يتم القبض عليه عندما كان يرتدي عباءة الدين ويخفي شخصيته الحقيقية خلف قناع التقوى. وكان بإمكانه أن يمدد فترة الحصانة بالقدر الذي يريد، خصوصا أنه قضى أربع سنوات سعيدة تزوج خلالها من إحدى ملكات الجمال.
أتمنى- وبئس الأمنية - أن يجانبني الصواب وأن تجافيني الحقيقة وأن ما تحدثني به نفسي لا يعدو وساوس نفس بشرية أمارة بالسوء وجهت تهمة للمجتمع بأنه تعامل بشيء من التغاضي والتسامح والتهاون مع رجل أكل أموال الناس بالباطل، لأنه فضيلة الشيخ وخطيب الجمعة، ولأنه كان حريصا كل الحرص على تقمّص صورة رجل الدين.
كذبنا أنفسنا وعقولنا خلال أربع سنوات وصدقنا فضيلة الحرامي. انشغلنا بتبجيل الصور والأشكال واعتبرناها المعيار الوحيد للتعامل مع الناس، وتبا له من معيار ساذج يتستر وراءه اللصوص، وهذا لعمري قمة السذاجة ومنتهى السخف ودليل على عدم النضج الفكري لدى البعض.
لو كان الضرر في هذه القضية يتوقف على ما لحق بالمساهمين لما اهتممت كثيرا، لأن ما أصابهم من مصيبة فبما كسبته أيديهم بإملاء من عقولهم المكتنزة هوسا بعبادة المظاهر والصور، رغم علمهم أن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى القلوب والأعمال. ولكن الضرر الحقيقي الذي يهمني ويجب عليّ وعلى كل مسلم دفعه هو الانطباع السلبي الذي ينتج عن تصرفات هذا الشخص وأمثاله وتؤدي إلى ابتذال لصورة الدين في أذهان الناس، والذي يجب علينا حمايته من المرتزقة والمتكسبين الذين لا يهمهم إلا تحقيق أهدافهم الشخصية.
حماية الدين من هؤلاء لن تتحقق باستجداء ضمائرهم الميتة ولن تنجح بالوعظ والإرشاد والخطب والمقالات ولا حتى بالعقوبات. حماية الدين لن تتحقق إلا إذا وجد لدينا قناعة كاملة بأن دين المرء لنفسه وبينه وبين خالقه فقط، أما ما بينه وبين الناس فهو أمر آخر يجب أن يخضع لمعايير أخرى ليس من ضمنها الشكل والمظهر. يجب أن نرتقي بدين الله عن أن يكون مطية لأصحاب النفوس الشريرة، ويجب علينا أن نساهم في حفظه من العابثين.
عندما يأتي اليوم الذي لا تجد شخصا يحكم عليك بالمظهر فاعلم أن الدين أصبح مصونا عن كل عابث. وعندما يأتي يوم لا تحصل فيه على معاملة خاصة لأنك تتلبس لباس الدين فاعلم أن الدين أصبح لله. وعندما يأتي اليوم الذي لا تجد معاملة إيجابية أو سلبية تبعا لشكلك ومظهرك فاعلم أننا بلغنا مرحلة النضج.