يسلك المتسللون طرقا غير معروفة، وبعيدة عن السكان ليصلوا إلى وجهاتهم، وبذلك أمنوا على أنفسهم، وزاد الإقبال على تشغيلهم بمبالغ زهيدة، فانتقلوا إلى المراكز، والمحافظات، والقرى المحاذية للمناطق الحدودية

مشكلة التسلل عبر الحدود مشكلة عالمية تعاني منها كثير من الدول حتى المتقدم منها على الرغم من امتلاكها تقنيات حديثة في مجال المحافظة على الحدود من التسلل ومن التهريب، والمملكة تعاني من مشكلة التسلل منذ فترة من الزمن، وهناك عدة عوامل تساعد على التسلل من أهمها الحدود البرية الوعرة، والبحرية الممتدة على مسافات طويلة، وهذه الحدود تسهل عملية التسلل لأنها غير قابلة للاكتشاف في بعض الأماكن على الرغم من الجهود التي تبذلها مراكز حرس الحدود المنتشرة في المناطق الحدودية سواء البرية، أو البحرية، ووجود المتسللين في المملكة لم يكن حديث العهد فقد زرت جبل فيفا وغيره من المناطق الحدودية قبل عشرين عاما ووجدت أن هناك أعدادا كبيرة من المتسللين في هذه المناطق يعملون في المزارع الجبلية، وهذا عامل آخر ساعد على التسلل، وعند ملاحظة الجهات الأمنية يختفي المتسللون في المناطق المنخفضة من تهامة، وهي مناطق وعرة جدا، ولا يمكن القبض عليهم بسهولة، وكان هدفهم الرئيس في ذلك الوقت هو العمل في المزارع، أو رعي الماشية، وجمع المال، ومن ثم العودة إلى بلادهم.
وخلال العشرين سنة الماضية تطورت أوضاع المتسللين عندما وجدوا الإقبال من المواطنين، وبعض المقيمين الذين يعملون في مجال البناء، والمقاولات على تشغيلهم، فزاد عددهم، وانتشروا بشكل أكبر، كما ساعد على انتشارهم عدم ملاحقة الجهات المختصة لهم بشكل مستمر، بل ما يتم عبارة عن حملات للجهات المختصة للقبض عليهم بين الحين والآخر، كما يسلك المتسللون طرقا غير معروفة، ووعرة، وبعيدة عن السكان ليصلوا إلى وجهاتهم، وبذلك أمنوا على أنفسهم، وزاد الإقبال على تشغيلهم بمبالغ زهيدة، فانتقلوا إلى المراكز، والمحافظات، والهجر المحاذية للمناطق الحدودية، وشكلوا تجمعات في المناطق التي يسكنون فيها بعيدا عن الأنظار، وكانوا يحملون معهم أسلحة بسيطة مثل المطارق، والفؤوس الصغيرة، وتغير الغرض من تسللهم، ووجودهم بصفة غير نظامية من العمل مقابل أجر، إلى التفكير في طرق من خلالها يحصلون على المال وبطريقة غير مكلفة، وحملوا الأسلحة النارية، وقاموا بتصنيع الخمور في مصانع مختلفة، وبدأوا في توزيعها، كما قام بعضهم بإدخال أنواع مختلفة من المخدرات لأنها توفر لهم الثراء السريع، والكسب غير المكلف، وعندما زادت أعـدادهم تـم التفكير في أساليب أخـرى للحصـول على المـال فقامـوا بتنفيذ السـرقات للمـنازل، والسـطو المسلح على بعض المواطـنين، وغيره مـن الأساليب المختلفة للحصـول عـلى المـال، ثم وصـلوا إلى أغلب مناطق المملكة .
وقد أسهم بعض المواطنين في انتشار المتسللين من خلال تهريبهم لمدن المملكة المختلفة شمالا، وشرقا، وغربا مقابل مبالغ مالية كبيرة، والمهربون ليس لديهم إدراك بما يقومون به من جريمة في حق الوطن، وهذه الفئة التي تقوم بالتهريب باعت الوطن بثمن بخس وهو ما يتقاضونه مقابل التهريب، وهنا أرى أن من يقوم بعملية التهريب مجرم، ولا بد من معاقبته بأشد العقوبات، كما أن عملية تشغيل الكثير منهم في هذه المناطق خاصة في الأماكن البعيدة عن وجود الجهات الرسمية، وبأجور منخفضة وسعت دائرة انتشارهم، وهذه جريمة ومخالفة أخرى من المواطنين، كذلك توافر أجهزة الاتصالات لديهم ساهمت في انتشارهم، وتنفيذ مخططاتهم، وتواصلهم مع بعضهم بعضا، وترويج منتجاتهم، كما أن هناك بعض المواطنين من ضعفاء النفوس من ساهم في بقائهم في أماكن تجمعاتهم البعيدة عن الأنظار من خلال توفير جميع المتطلبات التي يحتاجونها في مواقعهم وبمقابل، وبعضهم يقوم بتوزيع منتجاتهم على زبائنهم، والمواطن مسؤول بالدرجة الأولى عن انتشار المتسللين في المملكة، وهو مطالب بالإبلاغ عنهم، وعدم مساعدتهم، أو نقلهم، وعليه التعاون مع الجهات الأمنية بهذا الخصوص.
وبعد بروز مشكلة التسلل، وظهور آثارها، وانعكاساتها على المجتمع تم تكثيف الحملات الأمنية للقبض على المجهولين المتسللين، وإرسالهم إلى الجهات التي تسللوا منها، ولكن هذه الآلية لن تكون فاعلة بشكل كبير حيث من يتم القبض عليه وترحيله خارج الحدود نجده في اليوم التالي قد رجع من حيث تسلل أول مرة، ولن يكون ذلك حلا جذريا للمشكلة، وهنا أرى ضرورة التنسيق مع بلادهم في هذا المجال، والتنسيق مع الدول التي تسللوا منها للعمل على متابعة حدودها بشكل أكبر، والتعاون مع الجهات المسؤولة في المملكة بهذا الخصوص، وقد تكون هناك خطط من بعض أعداء المملكة يتم فيها استخدام المتسللين لتنفيذها مقابل مبالغ مالية.
حفظ الله وطننا من كل شر، ووفق رجال الأمن للقيام بمهامهم على الوجه الذي يرضيه سبحانه وتعالى.