الازدواجية، مطلب سعودي بامتياز، فما يستعصي على الإنكار في هذا المجتمع، أن كل شخص سوي يخالط الناس ويتعامل معهم دون تعصب أو إقصاء؛ يحتاج في الغالب أن يمثل أكثر من شخصية، وهذا أمر اعتدنا عليه، فحتى لا تقصى من جهة من يجب أن تتمثل طباعهم قدر استطاعتك، ولا تجاهر بتوجهاتك وآرائك إن كانت تخالف رأي الأغلبية، حتى وإن كنت أنت المحق وهم على خطأ. لذلك لا تجد من يلوم الآخر على ازدواجيته إلا فيما ندر، بل أحيانا يتم التواصي والتناصح بها بين الأصدقاء أو الصديقات خوفا من سطوة المجتمع أو الرقيب، هذا بين الكبار الذين يستوعبون أبعاد الازدواجية ومسبباتها جيدا، والخطأ والصواب فيها، لكن أن يمتد هذا الأمر إلى الصغار، ومن المربين أنفسهم، فهذا كثير جدا، ففي أحد الأنشطة اللامنهجية في إحدى المدارس الابتدائية كانت تستعرض المجموعات إحدى الزائرات التربويات، حيث توقفت لدى المجموعة الفائزة فرفعن أصابعهن الصغيرة بعلامة النصر مبتسمات، حيث نهرتهن المعلمة قائلة لهن: لوحن بقبضات أيديكن فقط، أما رفع الأصابع بهذه الطريقة فهي حركة الشيطان، ورفضت الاستماع لما يخالف رأيها.. ثم انتقلت الزائرة للمجموعة الثانية ذات المركز الثاني واللواتي خيم عليهن الحزن بشكل ملحوظ، مما دفع معلماتهن إلى تشجيعهن بقولهن، لوحن للزائرات.. ارفعن أصابعكن بعلامة النصر فأنتن فائزات أيضا! واستجابت الطالبات لمعلماتهن. المشهد الذي لم يتوقف عنده واحدة من الزائرات والمشاركات، يطرح سؤالا ملحا في أذهان الطالبات: هل علامة النصر رجس من عمل الشيطان؟ أم أنها حركة تعبيرية، ليس لها أي بعد ديني؟ ... ولا فرق عما إذا كان مصدر علامة النصر هو الحرف الأول من كلمة victory وهي النصر، أم أن مصدرها أسطورة شعبية تقول إن الفرنسيين قديما إذا ظفروا بالمحاربين الرماة الإنجليز أسروهم وقطعوا أصابعهم، وعندما انتصر الإنجليز رفعوا أصابعم إشارة إلى سلامتها من البتر..؟
لا فرق إلا فيما غرس في أذهان الطالبات من هلامية المواقف وازدواجية الرموز لسبب أو لآخر، ودون التثبت من صحة المعلومات. فهل بعد أن يشب هؤلاء على التلون والازدواجية، نرتجي منهم الشفافية والوضوح؟