المرأة السعودية الجديدة تسير على جسر من نار بين الثقافة والعلم والتطلعات المستقبلية، وبين تراث وماض قريب ما زالت آثاره مشتعلة وبقوة في بنية المفاهيم المجتمعية

اليوم الدولي للمرأة أو اليوم العالمي للمرأة، هو اليوم الثامن من شهر مارس من كل عام، وفيه يحتفل عالمياً بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء، بل والأهم من ذلك النظر فيما يقع على المرأة من عنف أو إقصاء، أو تجاوز. وفي بعض الدول كفلسطين ـ منذ 8 مارس 2011 ـ والصين وروسيا وكوبا تحصل النساء على إجازة في هذا اليوم.
الاحتفال بهذه المناسبة جاء على إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي والذي عقد في باريس 1945. وبما أن وطننا العربي ليس بمعزل عن العالم، فهو يتفاعل ويأخذه المد والجزر العالمي أينما اتجه وأينما هبت الريح.
وبذلك علينا أن ننظر إلى المرأة السعودية بما لها وما عليها، لأنها أصبحت مطالبة باللحاق بالركب العالمي، في تعليمها وفي ثقافتها وفي مشاركتها في الأعمال، وأهم من هذا وذاك أن تكون قادرة على اتخاذ القرار، بل ومؤهلة لذلك لكي يكون تفعيل دورها على أكمل وجه.
المرأة لدينا اجتازت العقبات ووصل بعضهن إلى العالمية في غضون 50 عاما. فهلا نظر العالم إلى هذا السباق المحموم مع الزمن؟ فالمرأة السعودية ليست كغيرها من نساء المجتمع العربي والعالمي، حيث إنها تعاني ولا تزال من:1- نظرة العالم، 2- نظرة القبلية/ الرجل، 3- نظرة المرأة الجليلة/ ما قبل جيل الخمسينات.
أولاً النظرة العربية والعالمية: حيث إن هذا العالم يتطلع إلى المزيد من العطاء والمشاركة، ولم ينظر نظرة متفحص حاذق للفترة الزمنية في التحولات التي عاشتها المملكة، وأن قادة المملكة منذ المغفور له، بإذن الله، الملك عبد العزيز أولوا المرأة جل اهتمامهم، ففتحت المدارس، وشرع تعليم البنات أبوابه بلا هوادة، إلى أن أصبح لدينا العالمات والأديبات والكاتبات والطبيبات اللاتي وصل بعضهن للعالمية، ولا يُقدر البعض أن هذا الجيل من النساء ردم هوة سحيقة بين بنت الأمس وبنت اليوم، كما أن هذا التطور نجح على المستوى العملي، إلا أن التطور النفسي أمر هام للغاية، وخاصة أن الأمس يحيا بدواخلنا نحن جيل اليوم! وبالتالي فتطور الشخصية لم ينل حفنة من الزمن المتحتم له طبيعيا. ونحن لا يمكن أن نختلف مع هذا العالم ما دامت الأفكار المطروحة تتفق وشريعتنا. فعندما سئل ابن رشد: أما زلت تتعاطى ثفافة القدماء (يقصد الفلسفة اليونانية)؟ قال: فما يتفق مع شريعتى قبلته وشكرتهم عليه وما يختلف مع شريعتى رددته إليهم وعسرتهم عليه. والحكمة ضالة المؤمن؛ إلا أن النظرة العالمية لا تقرأ هذا التاريخ وفعل الزمن في تكوين الشخصيات.
ثانيا: القبيلة/ الرجل: فكما أسلفنا أن التطور الحضاري لدينا لم يتجاوز الـ100 عام على توحيد المملكة ونهضتها. فما حققناه من مكاسب علمية وثقافية وحضارية لم يحققها أي شعب من الشعوب على مدار 300 عام، وهذا جيد وفخر لنا، إلا أن هذا التطور الحضاري المذهل والسريع للغاية بمقياس التاريخ، لا يمكن أن يوازيه تطور في بنية الشخصية ومفاهيمها، وخاصة أن الجزيرة العربية على مدار جميع عقودها الأزلية يحكمها العرف والعادات والتقاليد قبل توحيد المملكة بوجه خاص. ولذا فالمرأة السعودية الجديدة تسير على جسر من نار بين الثقافة والعلم والتطلعات المستقبلية، وبين ماض قريب ما زالت آثاره مشتعلة وبقوة في البنية المجتمعية حتى الآن، فحين ينفرد الإنسان السعودي بمدينته التي هاجر إليها فإنما يحمل في رأسه قلبا وعقلا بدويا خالصا ممهورا بتوقيع الصحراء. فالبدوي يحكم سلوكه أمران هما: القوة والرأي العام. ويقف الرأي العام - أو الخوف من اللوم - خلف قانون شرف الصحراء وعلى سبيل المثال إذا وقع البدوي في دين مثلا فإنه يفقد مكانته فى القبيلة، لتعارض الدَّين مع شريعة الصحراء وكرامة الأسرة والتي هي أساس القبيلة، ومن هنا يقوم مجتمع القبيلة بصورة عامة والمجتمع العربي السعودي بصفة خاصة على نمط العلاقات الشخصية المباشرة، فنلاحظ أن هذه الروابط الاجتماعية في القبيلة تدور حول وحدة الدم أو الولاء للقبيلة، حيث تفرض بعض الحقوق والالتزامات المتبادلة وتعين أنواعا معينة من السلوك، وبالتالي تمارس قدرا من السيطرة على سائر أفرادها، ولم تكن المرأة بمنأى عن هذا السلوك في كونها حاملة درة تاج الشرف الفردي والقبلي على حد سواء. إذ لا بد أن تخضع لسلطة الرجل والسلطة القبلية والتي هي انعكاس أساسي لسلطة شيخ القبيلة -من قبل- ولمجموعة الأعراف والعادات والتقاليد. فمفهوم السلطة وممارستها لدى القبائل مستمد من تنظيماتها الاجتماعية ومن أعرافها المتبعة، لا من الدساتير والقوانين -قبل توحيد المملكة ونهضتها- ذلك أن القبيلة والانتماء القبلي عند العرب ليس له مضمون تنظيمي، إنما هو رمز من رموز المنزلة الاجتماعية، أو من هذا القبيل. ومن هنا نجد أن الأعراف القبلية تشمل مسالك الحياة برمتها، فهي تتعرض لأمور المأكل والمشرب والملبس والمسكن، كما تشمل نظم النسب والتحالف والزواج والطلاق، وشؤون المرأة، والإرث والملكية، ويضاف إلى هذا كله أمور الضيافة والكرم، ونظم العائلة ومعاملة النساء والأطفال وأمور الشرف والعرض، والعار والفضيحة. وكل هذه الأمور تنسج بخيوط خامتها المرأة، كونها حاملة درة تاج الشرف ومنوط به الرجل.
ثالثا: نظرة المرأة ما قبل الخمسينات من أمهات جليلات وحكيمات، إلا أنهن يرفضن ما تتطلع له المرأة الجديدة لارتباطهن بالعادات والتقاليد التي عايشنها.
ومما لا شك فيه أنه لا تزال هناك نساء سعوديات يعانين من الإقصاء مهما بلغن من العلم والثقافة، فقط لكونهن نساء. ويخضعن طواعية احتراما للأعراف والتقاليد التي عايشنها. هذه المحاور الثلاثة هي ما تحاول المرأة السعودية التكيف معها تبعا لمشوارها وتطلعاتها ونجاحاتها المستمرة وبخطى واسعة، وهي مهمة صعبة بطبيعة الحال.
لكن جهود المؤسسات والمسؤولين من القائمين عليها، وبفضل خادم الحرمين الشريفين، سدد الله خطاه، نجد أن المرأة تتجاوز كل الصعاب وتخطو خطواتها الواسعة وبدون كلل. فعفواً أيها اليوم العالمي للمرأة، المرأة السعودية تحظى باحترام عام ممن ينتظر منها المزيد، وعفوا مرة أخرى، لأن لها طبيعة خاصة.