محمد إبراهيم فايع

يمر أحدنا بمبنى عمارة لا يختلف عن أي مبنى من المباني السكنية المجاورة له، فيلفت انتباهه وجود لوحة مكتوب عليها مدرسة ....الأهلية، فيدفعه الفضول إلى دخولها؛ ليرى ما الذي تضمه هذه المدرسة الأهلية، فلا يجد في هذا المبنى المسمى مجازا بالمدرسة سوى مداخل ضيقة، تنفذ إلى صالات صغيرة، تتوسطها عدد من الغرف الضيقة، وبعض الغرف التي فتحت في بعضها، تسمى فصول دراسية، وقد حشر فيها الطلاب حشرا، فيبحث عن شيء يهديه إلى أن هذا المبنى مدرسة حقيقة، تحتوي ولو على الحد الأدنى من متطلبات البيئة التعليمية اللازمة كوجود معامل، قاعات، أفنية لممارسة الأنشطة، وحصص التربية البدنية، فلا يجد سوى غرف قد كسرت جدرانها لتوسيعها كانت في الأساس مطابخ، أو – أكرمكم الله – دورات مياه، أما الأفنية فهي عبارة عن حوش المبنى، والذي لا يفي بالغرض لممارسة الأنشطة أو صف الطلاب لطابور الصباح، ويفاجأ بأن سطح المبنى قد استغل ليكون ملعبا للصغار، أو مكانا للطابور الصباحي، أو صالة اجتماعات، هذه الصورة هي صورة واقعية (لكثير مما يسمى بالمدارس الأهلية) اليوم.
المدارس الأهلية التي كان أحد أهدافها أن تعمل على منافسة المدارس الحكومية لتقدم تعليما متطورا، وتجارب تربوية حديثة، وتحقق رغبات أولياء أمور الطلاب الذين يدفعون مبالغ مالية، من أجل توفير تعليم نوعي جيد لأولادهم، أنا لا أنكر – كي أكون منصفا- أن هناك مدارس أهلية جيدة في مبانيها، وفي امتلاكها لمستوى بيئي تعليمي جيد، وفي مستوى معلميها ومشرفيها التعليميين، وفي مستوى إداراتها المشرفة عليها، وفيما تقدمه من برامج ومناشط ومشاركات وطنية وتعليمية، وأن مالكيها يعملون بصدق وبدافع ديني ووطني؛ لتقديم تعليم جيد لأبناء مجتمعهم، دون أن يكون الربح المالي هو هاجسهم الأول، ولو شئت لأسميتها وأسميتهم، لكني في نفس الوقت لا يمكن لي أن أتجاهل وجود مدارس أهلية يقال عنها مدارس! لكنها لا تستحق أن يطلق عليها ذلك، لافتقارها للمكون البيئي المعين على توفير مناخات تربوية حقيقية، وأجواء تعليمية ذات جذب كمدارس تمتلك ولو الحد الأدنى من أجواء المدارس الجاذبة لطلابها.
لهذا أقول متى نرى تصنيفا يصّنف المدارس الأهلية، ليعطي أولياء الأمور الفرصة في اختيار الأصلح لأولادهم، ويدفع المدارس الأهلية للتنافس فيما بينها، ويحد من المغالاة في رسوم الدراسة، والاجتهادات الشخصية، تصنيفا بقدر ما تحتويه من مكونات بيئية، وإمكانات مادية وبشرية، وخدمات تعليمية واجتماعية ومعرفية، شبيها بتصنيف الفنادق والشقق المفروشة؟! علما أنه ليس هناك لدينا في هذا الشأن أهم من العناية بمحاضن التربية والتعليم القائمة على تعليم أبنائنا، وإعدادهم للمستقبل.