الحكومة الأميركية رفضت تسليح الجيش الأفغاني ما لم تدفع حكومته قيمة الأسلحة والمعدات المطلوبة لأن دافع الضرائب الأميركي لم يعد مستعدا لتحمل تكاليف التسليح

هذه الأيام، فيما يصارع العالم كله بسبب المشاكل الاقتصادية والتضخم، ينشغل المجتمع الدولي أيضا بمشكلة كوريا الشمالية التي أصبحت تشكل تهديدا خطيرا للاستقرار العالمي بسبب طموحاتها النووية، وبارتفاع عدد ضحايا الأزمة السورية. أما أفغانستان فيبدو أنها أصبحت منسية وسط هذا البحر من الأمواج القاتمة.
بعد الحرب على الإرهاب التي طال أمدها، تستعد القوات الأميركية لمغادرة البلد بحلول نهاية 2014. ورغم أن مليارات الدولارات تم تقديمها لأفغانستان، لا يبدو أن الكثير تغير في هذا البلد. كل ما في الأمر أن طبقة جديدة من الطغمة الحاكمة بسبب الفساد. صحيح أنه تم بناء أحياء فخمة جديدة في العاصمة كابول، إلا أن السكان لا ينتمون إلى طبقة السكان العاديين. جميع سكان المنطقة التي تم بناؤها في (شير بور) ينتمون إلى كبار القادة وكبار السياسيين. باقي أفراد المجتمع يعيشون في نفس الحالة التي كانوا يعيشونها تقريبا منذ 13 سنة. حرية الكلمة والإعلام تحسنت بشكل واضح، لكن الأوضاع المعيشية لا تزال كما هي. ففي كابول لا توجد مياه نظيفة في الأنابيب المركزية ولا توجد خدمات جيدة للكهرباء. الطرق غير مسفلتة وفيها الكثير من الحفر ولا توجد أرصفة. باختصار، لا يزال الحال كما هو منذ رحيل طالبان.
الجدران الأسمنتية الطويلة غيرت ملامح كابول. إذا كان هذا هو الاستقرار والأمن، فكيف يكون انعدام الاستقرار؟ الناس في كابول يعيشون في قلعة كبيرة أما باقي البلد فيتعرض لخطر دائم.
هذه المقدمة تعطي انطباعا عن الطريقة التي يقود بها كرزاي أفغانستان منذ حوالي 12 سنة: سنتان قضاهما كرئيس المرحلة الانتقالية، ثم انتخب رئيسا لفترتين متواليتين، وكانت الانتخابات الثانية على الأقل في 2009 مثيرة للجدل بسبب ما حدث فيها من تزوير. وخلال هذه السنوات انتشر الفساد بشكل كبير واستغل أبناء قبيلة وعائلة كرزاي منصبه، ويعتبر إخوته حاليا من كبار أثرياء أفغانستان.
تطبيق العدالة هو ما يطمح إليه الأفغان الآن. كرزاي، الذي كان صديقا لجورج بوش في يوم من الأيام وكان يزور البيت الأبيض بين الحين والآخر، تحول فجأة إلى عدو لأميركا والغرب الذين يساعدونه على محاربة الإرهاب. ولكن مع وصول الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض، واقتراب موعد رحيل القوات الأميركية في 2014، هناك ضغوط حقيقية على الرئيس الأفغاني كي يحارب الفساد في بلاده، وهذا يبدو أنه لا يناسب الرئيس كرزاي.
لقد تغيرت الأوضاع عما كانت عليه أيام الرئيس بوش، والرئيس كرزاي تغير أيضا على ما يبدو. فبعد أن كان يؤيد الحوار المباشر مع حركة طالبان لأبعد حد، لدرجة أنه كان يقول عنهم الإخوة طالبان، غير الرئيس كرزاي مواقفه وأصبح يلقي باللوم على الولايات المتحدة لأنها، حسب قوله، تجري محادثات سرية مع طالبان. الرئيس كرزاي كان قد طلب مع الرئيس الأفغاني الأسبق برهان الدين رباني الحضور إلى كابول للاجتماع مع أحد قادة حركة طالبان البارزين. كان رباني في وقتها يقضي فترة النقاهة في منزله بعد عودته من الإمارات حيث أجرى عملية قلب هناك. لكن الرسول الذي كان يفترض أنه جاء يحمل رسالة من طالبان اتضح أنه قاتل واغتال رباني الذي استقبله في منزله. ومع ذلك، لم يتوقف كرزاي عن اتصالاته مع طالبان وعن الإشارة إليهم على أنهم الإخوة طالبان. ولذلك فإن من الغريب أن تتغير لهجة الرئيس كرزاي ويتهم أميركا الآن بأنها تجري مباحثات سرية مع طالبان بشكل يومي، وأن الاجتماعات تجري في دول الخليج وفي أوروبا.
لكن الجنرال دان فورد، قائد القوات الأميركية في الناتو، نفى هذه الادعاءات وقال إنها غير صحيحة على الإطلاق.
ولكن ماذا وراء هذه الادعاءات من كرزاي؟ الرئيس الأفغاني يريد أن يخرج الجميع من أفغانستان ويدعي أن الجيش الوطني وقوات الأمن الوطنية الأفغانية قادران على حماية البلد. في آخر زيارة له إلى واشنطن، أحضر الرئيس كرزاي معه قائمة طويلة لاحتياجات الجيش وقوى الأمن الأفغانية. كان يريد، من بين أمور أخرى، أن يبدو كأنه حقق إنجازا مهما ويعود من أميركا كالأبطال. لكن الحكومة الأميركية رفضت تلبية مطالب كرزاي ما لم تدفع الحكومة الأفغانية قيمة الأسلحة والمعدات المطلوبة لأن دافع الضرائب الأميركي لم يعد مستعدا لتحمل تكاليف تسليح الجيش الأفغاني. هذا الموقف الأميركي أغضب كرزاي وغير موقفه من الوجود الأجنبي في بلاده، ومنذ ذلك الحين بدأ يطالب القوات الأجنبية بمغادرة البلد، بالرغم من أن نسبة كبيرة من الأفغان لا يؤيدون ذلك خوفا من حدوث فراغ أمني يؤدي إلى الاقتتال الداخلي والفوضى.
الحل في رأي كرزاي هو في تأييد أحد مساعديه الذين يثق بهم للانتخابات الرئاسية الأفغانية. وهناك بالفعل حديث كثير عن اجتماعات يعقدها شقيق الرئيس كرزاي الكبير، قيوم كرزاي، مع وجهاء كبار من القبائل الأفغانية المؤثرة لإقناعهم بدعمه في الانتخابات القادمة. قرابته مع الرئيس تضمن له دعما رسميا كما حدث مع الرئيس الأفغاني الحالي منذ أربع سنوات.
ولكن هل ستسمح الولايات المتحدة للرجل الذي صنعته منذ 12 سنة بأن يختار خليفته في الرئاسة؟ هذا ما ستظهره الأيام القادمة.