يأتي إطلاق النادي العلمي العربي للمخترعين في وقت يحتاج فيه المخترعون إلى مساعدة لاستثمار اختراعاتهم، وفي وقت تحتاج دولنا العربية إلى تنويع دخلها وتحقيق اقتصاد المعرفة

برافو.. برافو.. قلتها للجامعة العربية عندما سمعت الخبر.. ففي رأيي أن هذا أهم مشروع ريادي للجامعة العربية وأنفس وأغلى هدية تقدمها الجامعة العربية للعرب. ويمكن أن نقوم بتأليف مجلدات للفائدة العظيمة التي تقدمها الجامعة العربية للعرب من خلال هذا العمل النوعي العصري التقني الذي سيحلق بالدول العربية وباقتصادياتها ويحولها إلى العالم الأول. حيث سيتم استثمار العقول العربية واستثمار المخترعات العربية الضائعة. فهناك عشرات الآلاف من المخترعات في الدول العربية حسب تقرير WIPO لم تستثمر منذ عام 1997، بينما اختراعات العالم تًحَّول مباشرة إلى شركات وإلى بضائع وتسهم في التطوير، فحولت تلك الدول إلى دول متقدمة ذات ميزان اقتصادي إيجابي.. صادراته تفوق وارداته.. وقد قامت منظمة المخترعين هذا العام بنشر إحصائية تتضمن إنتاج العالم من المخترعات من عام 1997 إلى عام 2011، كان نصيب العالم العربي منها أكثر من 83 ألف اختراع. والعالم المتقدم وصل إلى مرتبة العالم الأول بفضل هذه المخترعات التي يحولها بشكل عاجل إلى صناعات وشركات منتجة تحقق ما يأتي:
1- توظيف مزيد من المواطنين في هذه الشركات والمصانع الجديدة.
2- زيادة الصادرات.
3- تعديل الميزان الاقتصادي لتكون نسبة الصادرات أعلى من نسبة الواردات، وهذا مؤشر صادق ودقيق لقوة أي اقتصاد.
والجامعة العربية بإطلاقها النادي العلمي العربي للمخترعين ستحقق الأهداف التي كنا ننتظرها، وهي تحقيق أعلى قدر ممكن من استثمار المخترعات العربية وتحويلها إلى شركات منتجة بعد أن كانت ضائعة وأصحابها محبطون رغم مرور أكثر من عقد على بداياتها. والأمر الآخر الذي نأمله من الجامعة العربية بإطلاقها النادي العلمي العربي أن تعمل على وجود هيئة أو منظمة أو جهة للمساعدة في تسجيل الاختراعات الجديدة والاحتفاء بها والمساعدة على تحويلها إلى منتجات.
الوضع القائم الآن هو أننا على مدى سنوات نحتفي بالكثير من هؤلاء المخترعين في طول البلاد العربية وعرضها.. يسجلون براءات اختراعات كثيرة.. احتفت بهم المراكز العلمية في طول الأرض وعرضها من ماليزيا إلى أميركا مروراً بالمراكز العلمية في أوروبا.. وحصلوا من هذه المراكز على اعترافات وجوائز ووصل عدد مخترعاتنا في السنوات العشر الماضية إلى عشرات الآلاف، ونسأل هنا سؤالاً كبيراً: أين هذه المخترعات؟ ولماذا لا يتم التعامل معها مثل ما يتم التعامل مع مثيلاتها في العالم الأول..؟ ولماذا لا توجد لدينا هيئة تحول المخترعات إلى منتجات؟ في البلاد المتحضرة والمتقدمة.. لا يمضي شهر من تسجيل براءة الاختراع حتى يتحول ذلك الاختراع إلى شركة تسهم في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.. والتفصيلات في ذلك كثيرة، وبما أنني ـ رغم ما كتبته هنا مرات ـ لم أجد الرد أو التجاوب فسأحاول الاجتهاد لتحديد المشكلة.. فالمشكلة أن المخترع عندما يريد استثمار اختراعه وتحويله إلى شركة منتجة عليه أن يتعامل مع عدة وزارات بما في تلك الوزارات من بيروقراطية، ومنها وزارة المالية للحصول على المال، ووزارة التجارة لتحديد مواصفات المنتج، ووزارة البلديات للحصول على الأرض. وتوضع العراقيل تلو العراقيل أو على أقل تقدير تطول الإجراءات ويضيق نفس أصحاب الطلبات. مع العلم أنه من المفروض ألا تكون مسؤولية تحويل المخترعات إلى بضائع مسؤولية المخترع، فليس هذا دوره. وقد اقترحت أن تنشأ هيئة المخترعين لاحتضان هؤلاء المبدعين.
عدونا الأول هو الوقت. ونحن لم نر جهةً محددة ترعى هؤلاء الشباب المتفوقين الذين سجلوا براءات اختراع عديدة على مستوى الوطن، لتحويل تلك الاختراعات إلى شركات منتجة. نقدر لتلك الجهات التي رعت تلك المواهب حتى أوصلتها إلى هذا المستوى، لكن ليس من مهام تلك الجهات إكمال المسيرة. ولهذا قد يكون من المناسب جداً تأسيس هيئة ذات شخصية اعتبارية مستقلة بكوادرها وميزانياتها لتحويل اختراعات مواطنينا إلى شركات منتجة حتى لا ننزلق في نمطية الروتين وسرد مبررات غياب الدعم والتمويل، أو أي مبررات أخرى تضع مثل هذه الإنجازات على الرفوف. نريد هيئة مستقلة تعد خططاً وسياسات تتجاوز الروتين وتتجاوز التبريرات لنرى مصانع قد قامت وشركات قد أسست لنجني ثمار هذه الاختراعات في وقت قياسي، لتتحول هذه الابتكارات إلى صناعات تحول بلادنا إلى دولة متعددة مصادر الدخل غيرالقابلة للنضوب. واقتصاد المعرفة غير قابل للنضوب.
وتأتي خطوة الجامعة العربية في إطلاق النادي العلمي العربي للمخترعين في وقت يحتاج فيه المخترعون إلى مساعدة لاستثمار اختراعاتهم. وفي وقت تحتاج دولنا العربية إلى تنويع دخلها وتحقيق اقتصاد المعرفة، وذلك بتحويل الاختراعات إلى شركات ومصانع ينكعس أثرها إيجابياً على مشكلة البطالة بشكل خاص وعلى اقتصاد الوطن العربي بشكل عام. إنها تحقق لنا أهدافا نوعية توصلنا إلى العالم الأول.
ونقول للجامعة العربية في خطوتها المباركة أحسنت صنعاً، والذي نأمله ألا يكون إطلاق النادي العلمي العربي احتفائية تشكل الهدف الأخير بل بداية يتم بها استثمار عقولنا العربية ومنتجاتها من الاختراعات، وتحويل تلك المخترعات إلى منتجات تعزز اقتصاد بلادنا وتوظف عاطلينا. لماذا نحن متأخرون في تحقيق هذه الخطوة؟ لماذا لا توجد لدينا هيئة ترعى هذه الاختراعات وتحولها إلى منتجات..؟ الاحتفاء شيء جميل، ومن حقنا وحق الذين حققوا هذه الإنجازات أن نحتفي بهم وأن يحتفي بهم الوطن ويفخر. ونرجو تأسيس هيئة للمخترعين في جميع البلاد العربية يدعمها هذا النادي، يكون هدفها فقط تحويل المخترعات إلى منتجات. أرجو للجامعة العربية في خطوتها هذه التوفيق وللقائمين على النادي وكل المساهمين فيه.