آن الوقت لاستحداث قانون 'ضد الكراهية'، يُحاسب ويُحاكم به كل من يثبت بالقرائن تورطه فيما يهدد أمن الناس وحياتهم، كتكفيرهم وإهدار دمائهم، ويجرم الطائفية والعنصرية والمناطقية
أي قضية إنسانية يُمكن حلها بشيء من العقل تحت مظلة القانون، دون ذلك تتحول كرة الثلج إلى كتلة ثلجية مدمرة، حين تسقط في يد الانتهازيين وتنحرف عن مسارها الإنساني إلى مسار استغلال عواطف الناس البسطاء في تفكيرهم لتحقيق مآرب لا إنسانية، ولا تخطر على بال بعض المتعاطفين مع القضية ممن يتحولون إلى لسان حالها دون إحساس بمسؤولية العواقب. والأزمة تزداد سوءا حين يستخدم الانتهازيون هؤلاء السذج والبسطاء ليكونوا خط الدفاع الأول، فيما الانتهازيون يبقون في الخفاء.. هذا ما يحصل حاليا في قضية معتقلي الفئة الضالة.
فمن بعيد؛ كنتُ أتأمل هؤلاء النسوة اللاتي أشعر بمعاناتهن وألمهن بفقدهن لأقربائهن المعتقلين ممن انخرطوا في التفكير الإرهابي أو التكفيري وتم التحفظ عليهم باعتقالهم وعرضهم على لجان المناصحة لتصحيح فكرهم، لكنهم بقوا على أفكارهم، فبقوا في معتقلاتهم على أمل تصحيح مسارهم الفكري، ونتيجة عدم وجود قانون يوضح موقفه ممن يستمرون بالتمسك بفكر تكفيري خطر استمر اعتقالهم، إذ يُخشى إن أفرج عنهم أن يكونوا خطرا على حياة الأبرياء. وقد يقول القائل هنا: وهل يعاقب القانون الناس على أفكارهم؟ وأين هي الحرية التي تنادين بها؟! أجيب بكل صراحة: حين تكون الأفكار تهديدا لحياة الناس وأمنهم فالقانون يجب أن يُحاكمهم. ودول العالم الأول وحتى الدول الليبرالية تعمل بقانون ضد الكراهية. والتطرف الفكري ليس له دين ولا عقيدة إذا انحرف عن المسار ليكون سببا في إيذاء الآخرين من باب الكراهية. والفكر التكفيري أشد الأفكار خطرا، لأنه يُبرر لحامله أن يكون قاتلا ابتغاء وجه الله تعالى وطمعا بالجنة ثوابا!
وهؤلاء النسوة مع ألمهن ومعاناتهن إلا أنه مع الأسف هناك من يستغلهن ويستغل أوجاعهن من قبل انتهازيين يحرضونهن للخروج إلى الشارع، دون أن يخشوا عليهن مما قد يحصل لهن، رغم أن هؤلاء المحرضين أنفسهم هم ممن يُحرمون خروج المرأة إلى العمل والعلم والابتعاث بحجة الاختلاط والخوف عليها! هكذا يكشفون وجه استغلالهم لكسب عواطف الناس من أجل مآرب خفية، وليس من أجل مصلحتهن، ولا حتى من أجل الناس. إنهن اليوم فعلا ضحية، ولكن لمن أوقعوا بأقربائهم في براثن الفكر التكفيري وضللوهم؛ بعد أن تشربوا التكفير فكرا والقاعدة انتماء، وأثبتت ذلك القاعدة بوجهها الذي حاولت أن تخفيه وأعلنته عبر تصريح عضوها تلفزيونيا، المطلوب الأمني إبراهيم الربيش، ودعوته لمن أفرج عنهم بالعودة للعمل المسلح واستغلال النساء وعواطف الناس لتحقيق أهدافهم الإرهابية.. إنه تكتيك جديد تتخذه القاعدة منذ سنوات باستغلال النساء كي تعود بدماء الأبرياء إلى الأرض. ويبدو أن القاعدة زاد حماسها في ظل أوضاع اليمن السياسية، مقرها الحالي، هذا بجانب علو الصوت المتطرف في دول الربيع العربي.
لا أظن أحدا منّا ومنذ عشر سنوات ينسى العمليات الإرهابية التي حصلت في هذه البلاد وذهب ضحيتها أطفال ومواطنون ورجال أمن استشهدوا وبات أهلوهم ضحايا الفقد.. هل تتذكرون الطفلة وجدان! لا يمكن أن ينسى السعوديون وحيدة أبويها التي قُتلت في تفجير إرهابي في مدينة الرياض! وكان من الممكن أن تستمر هذه العمليات الإرهابية، فالفكر التكفيري أخطر من الممارسة ذاتها، لأنه يستغل السذج والعاطفيين ليكونوا آلة قتل، وكان من الممكن أن نكون مثل العراق وباكستان وأفغانستان التي تعاني الإرهاب يوميا! وكان من الممكن أن تكون هناك أكثر من وجدان كل يوم، لولا محاولات وزارة الداخلية في تجفيف منابع الخلايا النائمة بالقبض على أعضائها قبل أن يتورطوا في فعل إرهابي يقتل مزيدا من الشهداء. وقد أوجدت لجنة المناصحة محاولة لتصحيح فكر هؤلاء ممن لديهم استعداد أن يكونوا قنابل موت تبتغي الحور العين والجنة بقتل الأبرياء، ونجحت مع بعضهم ممن أطلق سراحهم، أما الباقون فتمسكوا بفكرهم فاستمر اعتقالهم، فيما خُدع بعض ممن أطلق سراحهم وعادوا إلى عش القاعدة لنحصد مزيدا من شهداء الواجب.
وكنتُ قلتُ سابقا إن نجحت المناصحة بالأمس فهي لن تستطيع المواصلة في ظل استمرار جذور هذا الفكر الذي يُنبت كل يوم من يتم القبض عليهم غدا، فالفكر لا يُواجه إلا بفكر، وليس فقط بمواجهة أمنية واعتقالات، ولهذا يجب دعم الإصلاح الفكري من الجذور، كما أن استمرار المناصحة لا يجدي دون وجود قانون يُوضع لمن يثبت استمراره في فكر يهدد حياة الأبرياء وأمنهم، كأن تكون هناك مدة معينة للمناصحة يُحاكم بعد تجاوزها إن تمسك بفكر تهديدي، وفق قانون محدد وينهي الاعتقال دون محاكمة. أظنه قد آن الوقت لاستحداث قانون ضد الكراهية، يُحاسب ويُحاكم به كل من يثبت بالقرائن تورطه بما يهدد أمن الناس وحياتهم، كتكفير الناس وإهدار دمائهم، ويجرم الطائفية والعنصرية والمناطقية.. فهذا القانون سيُنهي هذا الملف بدلا من تحوله لكرة ثلج تسقط في منحدر يستغله الانتهازيون ويذهب ضحيته البسطاء.