عرفته منذ الطفولة، بل منذ الطفولة المبكرة جدا، فربما لم نكن قد تجاوزنا حينها ست سنوات، على أقصى حد. وأتذكر أنه كان طفلا لا يعلو له صوت، أو يدخل في خصام أو عناد أوعراك، هادئ لدرجة أن تتصور أن بين الأطفال متأملين، وأن الصغار، وإن كانت عقولهم بسيطة، فإن فيهم من أنعم الله عليه بحكمة تتجاوز حدودها حدود السن وانعدام الخبرة.
تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة الرياض، هو الرجل الذي خدم الوطن لأكثر من عقدين كطيار حربي حمى، مع باقي الصقور بكل إخلاص وتفان، سماء وطننا الغالي لينعم بالأمان من حقد المتسللين وتربص الطائفين، وليشعر المواطن بالأمن والطمأنينة.
الحديث عن سموه سيأخذني دون شك لذكريات لن تسمح محدودية مساحة المقال بسردها، وهي ذاتها الذكريات التي ما زلنا نتجاذبها في كل لقاء يتجدد بيننا، فنستذكر أسماء الزملاء وأخبارهم، والأساتذة الذين ندعو لهم في كل مرة أن يجزيهم الله كل الخير، لأجل كل حرف علمونا إياه، وكل خطأ نبهونا إليه، وهي جميعها دروس العلم والحياة التي صنعت منا رجال اليوم.
التقيت سموه خلال الشهر الماضي مرتين في قصره في الرياض، وقد زاد إعجابي به لعدة أسباب، لعل أهمها أني شعرت بأن هذا الأمير، الذي عرفته طفلا وشابا وعسكريا، ما زال هو ذاته صاحب الطلة الهادئة والروح البعيدة عن كل تكلف، وصاحب الابتسامة التي تحمل في ثناياها طمأنينة مفعمة حياة.
لم أستغرب أن يكون حديثنا الودي، الذي استمر لأكثر من ساعتين، قد ارتكز بشكل رئيس على قضايا الوطن والدور الريادي لبلادنا في المحيط العربي والإسلامي، وقناعته المتأصلة بأن الوطن يستحق منا السعي بالعمل والاجتهاد، وبكل ما وهبنا الله من قوة، لكي يبقى قويا متماسكا، ليستمر في تأدية الدور الذي يقوم به في خدمة العروبة والإسلام.
فرحت ـ دون شك ـ بتعيين صديق في منصب مهم كنائب أمير لمنطقة الرياض، ولكن الفرحة الكبرى كانت في أن الوطن أصبح يؤمن بأن له شبابا قادرا على إدارة شؤونه والمضي به للمستقبل بكل ثقة. فقرارات خادم الحرمين الشريفين وأوامره ـ حفظه الله ـ بتعيين عدد من الأمراء الشباب في مراكز قيادية متنوعة، إضافة لقراره التاريخي بمنح المرأة حق المشاركة في مجلس الشورى، كلها مؤشرات بأن الوطن بخير برجاله ونسائه، وأن المستقبل سيكون أجمل وأكثر إنجازا.