يعتب أكاديميو 'كاوست'، وبعضهم في مناصب إدارية، على غياب الشفافية في اتخاذ قرارات الجامعة، ويستشهدون بما حدث بين ليلة وضحاها في تعديل معايير القبول بها
ما أروع أن نجد حلم خادم الحرمين الشريفين واقعاً ملموساً أمامنا. وما أجمل أن نجد شبابنا يدرسون ويبحثون جنباً إلى جنب مع نخبة من علماء وباحثي العالم.. إلا أن مسيرة هذه الجامعة الحلم بعد مرور سنوات قليلة على التأسيس تحتاج وقفة تأمل صادقة، عطفاً على تصاعد وتيرة استقالات القيادات الأكاديمية، وتواتر الحديث عن الإخفاقات الإدارية للجهة المؤسسة للجامعة، بعد انتهاء الأعمال الإنشائية، وابتعادها عن مبادىء إدارات المؤسسات الأكاديمية التي تعتمد على الشفافية بشكل أساسي.
لقد أبهر تأسيس الجامعة قبل ثلاث سنوات الأوساط العلمية، خصوصاً أن المدة بين الإعلان عن التأسيس وبين بداية الدراسة ومراكز البحوث كانت قصيرة جداً، مما جعل الجميع يتذكر أسطورة بيت الحكمة إبان ازدهار الحضارة الإسلامية، وأن هذه الجامعة المطلة على شواطىء البحر الأحمر قادمة بقوة نحو ميدان البحث والابتكار، خاصة أنها متخصصة في دراسات الماجستير والدكتوراه فقط، مما يجعلها أكثر تركيزاً على البحوث الأصيلة، ولكن بعد مرور سنوات قليلة ظهر عدد من الأصوات التي تدعو إلى إعادة النظر في أسلوب إدارة الجامعة، ذلك أنها لا تزال تدار بواسطة موظفي شركة أرامكو السعودية، وهي شركة نفط في نهاية الأمر، وليست مؤسسة أكاديمية! عددٌ من هذه الأصوات ظهر مؤخراً في الحلقة الرابعة من سلسلة مقالات في مجلة Science الرصينة، عن المؤسسات العلمية في العالم، ونشرت في ديسمبر 2012.
لقد كان ملاحظاً ظهور عدد من الانتقادات للجامعة من قبل مجهولين على شبكة الإنترنت، ولكن غالبية تلك الانتقادات عامة وتفتقد إلى التوثيق، ويميل أغلبها إلى التعسف في الطرح، ناهيك عن غياب الشواهد الحقيقية، إلا أن تقرير المجلة ظهر بشكل محايد، فلقد تناول إيجابيات ونقاط قوة الجامعة، لكنه أشار إلى نقاط الضعف الحالية، والتحديات القادمة.
لقد اتفق جميع العلماء ممن شاركوا في التقرير أن نقص خبرة القيادة الإدارية بالجامعة للتعامل مع القضايا الأكاديمية أدى إلى مشاكل إدارية متتالية، الأمر الذي قاد إلى استقالة اثنين من رؤساء المراكز التسعة، رغم الرواتب والتعويضات العالية التي يتلقيانها، واستقالة أول عميد لعلوم الحياة والهندسة، واستقالة رئيس اتصالات الجامعة كذلك! بالإضافة إلى تقاعد مسؤول المختبرات قبل حوالي عام، بعد أن فقد الأمل، على حد تعبيره. هذا التخبط الإداري امتد إلى الفشل في استمرار تنفيذ الاتفاقات الثنائية مع المعاهد والمراكز الدولية، مثل ما حدث مع معهد وودز هول لعلوم المحيطات WHOI ، والذي استقطب مديره السابق للعمل في الجامعة، مع توقيع اتفاقية لمدة ثلاث سنوات بقيمة 25 مليون دولار، منها خمس رحلات علمية بحرية مدتها 16 يوماً، ولكن للأسف ومع تمديد العقد لسنتين إضافيتين لم يتم سوى أقل من نصف ما اتفق عليه من رحلات علمية بحرية، ولم ينجز كثيرٌ من البحوث المشتركة!
كذلك يعتب أكاديميو الجامعة – ومنهم أكاديميون في مناصب إدارية - على غياب الشفافية في اتخاذ قرارات الجامعة، ويستشهدون بما حدث بين ليلة وضحاها في تعديل معايير القبول بالجامعة، وذلك بهدف زيادة نسبة السعوديين فيها، حيث كانت نسبة السعوديين بالجامعة منذ تأسيسها 15%، ولكن نهاية عام 2011 قررت إدارة الجامعة زيادة النسبة إلى 30%، ولكن للأسف هذا القرار اتخذ متأخراً بعد ظهور أسماء المقبولين للعام القادم، ولكن إدارة الجامعة قامت بمخاطبة 125 طالباً دولياً، كانوا قد تلقوا خطابات قبولهم في الجامعة وأنهم بحاجة إلى مقابلات إضافية. وغني عن القول إن هذه الخطوة كان هدفها التراجع عن قرار المنحة الدراسية! بيد أنه بعد ضغط بعض أعضاء هيئة التدريس؛ استطاعوا قبول 30 طالباً من هؤلاء، لتصبح نسبة السعوديين بعد ذلك 24%.. أغلبهم في برامج الماجستير وليس الدكتوراه.
من جهة أخرى أعلنت الجامعة قبل أيام قليلة أن لجنة فرعية – شكلها مجلس أمناء الجامعة - قد اختارت الدكتور جان لو شامو رئيساً جديداً للجامعة، وهو الرئيس الحالي لمعهد كاليفورنيا للتقنية Caltech منذ عام 2006، وبالتالي سيصبح الرئيس الثاني للجامعة بعد السنغافوري البروفيسور تشون فونغ شيه، لكن السؤال الأكبر: هل يستطيع المدير الجديد أن يكون مديراً حقيقياً للجامعة، بعيداً عن أسلوب أرامكو في الإدارة، أم سوف يكتفي فقط بالظهور الإعلامي وبعض المسؤوليات الأكاديمية، كما كان يفعل المدير السابق، على حد زعم تقرير المجلة العلمية؟
على الجانب الآخر يوجد في الجامعة عدد من البرامج الرائعة، والتي من الضروري أن يتم التوسع بها وتطويرها لتستقطب الموهبين من أبناء وبنات المملكة، ومنها برنامج الإثراء الشتوي، ومسابقة الملصقات العلمية، والتمويل التأسيسي مع مصرف سيتي بنك، فضلاً عن ضرورة تفعيل الاتفاقيات مع الجامعات السعودية، وبالذات الناشئة منها.
لقد كانت أرامكو مبهرة بقدرتها على إدارة 30 ألف عامل، لبناء وتأسيس جامعة حديثة على مساحة 36 مليون متر مربع، خلال فترة قصيرة، بالإضافة إلى نجاحها في خفض المصاريف غير الأكاديمية بنسبة 20% بعد تشغيل الجامعة.. بقي أن تتخذ أرامكو القرار الصحيح، وهو أن تترجل عن قيادة الجامعة لتعود إلى ميدانها الحقيقي في حقل صناعة النفط، ولتحقق أرامكو الأسطورة التي تقول: إنها شركة النفط التي أطلقت جامعةً بحثيةً من الطراز الأول، وليست الشركة النفطية التي بنت الجامعة، ثم حولتها إلى شيء يشبه الجامعة، ولكنه – بالتأكيد - ليس بالجامعة!