عادة ما تزخر الفترة التي تسبق معرض الرياض للكتاب، الذي تنطلق فعالياته يوم غد بالعديد من الأخبار والإحصائيات التي تتحدث عن حجم المشاركة الكبيرة لدور النشر العربية والدولية إلى جانب الترويج لقوائم طويلة من الفعاليات والمناسبات الثقافية التي تقام على هامش المعرض من مثل: الأمسيات الشعرية والمحاضرات الأدبية والفكرية، كل ذلك في ظل رعاية كاملة من وزارة الثقافة والإعلام ووزيرها الأديب.
عندما تقرأ التغطية الأولية ليوم الافتتاح والتي تنشرها الصحف الإلكترونية بعد سويعات قليلة من ذلك، ومن ثم الصحف الورقية في اليوم التالي، ستجد أن هناك أخبارا تتحدث عن ازدحام كبير للسلام على الكاتب والأديب والمفكر الفلاني، ومواجهه عابرة بين مجموعة من أتباع الجماعتين المتخاصمتين دوما، ودعوات نقلت من على لسان الحضور بأهمية أن تكون الكتب غير خاضعة للرقابة، وكم أن المعرض كبير ومتنوع وعظيم وفق رؤية ذلك المسؤول الذي ليس له علاقة بالثقافة إلا بقدر علاقته بتصوير المصورين وتسطير الصحفيين وترزز المترززين.
مع بداية اليوم الأول للمعرض، والذي يلي يوم الافتتاح الرسمي تتحول السجالات الإلكترونية حول المعرض إلى ساحة لمعركة قطباها جماعة ترفض الثقافة بمفهومها الحديث، وجماعة ترفض الوصاية بمفهومها الاجتماعي، فيقع الجمهور بسذاجة فريسة المواجهة التي لا يراد بها تنمية الفهم للثقافة والفكر بل تسعى بكل قوة لطمس وجود الآخر وإلغاء كينونته تماما.
عندما زرت معرض الرياض في السنوات الماضية التقيت فيه عددا كبيرا من الأصدقاء وتعرفت على عدد كبير من الكتاب والأدباء والصحفيين والمثقفين، زرت دور النشر واتفقت مع ناشر كتابي الأول إعلام. كم الذي صدر قبل عام والتقيت بناشر كتابي الثاني (العودة إلى الأمام) الذي سيرى النور في هذه الدورة ما لم تصبه إنفلونزا الرقابة ويبقى في مستودع الانتظار يصارع الحرارة وربما برودة الرفض ما سيصارع.
لعل أجمل ما في معرض الرياض للكتاب أنه مسرح للتجاذبات ومكان للاختلاط الفكري ومزار عائلي للتسوق بين أرفف العقل وكنوز التاريخ وهمهمات السياسة، ومجتمعنا الذي قيل عنه إنه لا يقرأ أثبت مع مرور الأيام أنه مجتمع مطلع جدا لدرجة أنه حول هذا المعرض الذي كان يوما تجسيدا للمنع والوصاية والهامشية إلى أحد أكبر ثلاثة معارض كتاب في المنطقة العربية.