لكي يتمكن شبابنا من القيام بكل ذلك، يجب أن نزيح من طريقهم كل التحديات التي قد تعيق عملهم التطوعي، مثل المعاملات البيروقراطية التي تقتل أي شعور أو مبادرة لديهم بالمشاركة

أعلم أننا شعوب طيبة ونريد أن نساعد، ولكن ماذا عن كل تلك الأحداث التي تصدرت إعلامنا، عن أناس استغلوا المسؤولية وخانوا الأمانة لأطماع أو لأجندات إرهابية صدمتنا لدرجة أصبحنا نخاف أن نمد يد العون للأفراد فكيف بالجمعيات الخيرية! فما يدرينا بأن من يطالب ببناء مسجد أو مساعدة متعثر سوف يستخدم ما يستلمه لذلك ولا يحول إلى حسابه الخاص أو لجهة تعمل على خراب الأمة الإسلامية بعملياتها الإرهابية! رغم أنهم قلة ولكن الشك قد زرع والثقة فقدت.
إن انعدام الشفافية بين الجمعيات الخيرية والمتبرعين يقوض من روح العطاء والعمل الخيري، فهذا له دور كبير، فعندنا نادرا ما تستجيب الجمعيات لطلبات المتبرعين كأفراد وليس شركات، عن معلومات تساهم في فهم كيفية استخدام أموالهم، أوعن النتائج والتأثيرات التي تمت جراء الخدمات التي تقدمها تلك الجمعيات في المجتمع، وهذا بدوره يبعد المتبرع ويجعله يشك أو يفقد الثقة.
ما العمل إذن؟ هل نتوقف عن العطاء ونِسب الفقر في ارتفاع مخيف؟ هل نتوقف وهنالك أسر بحاجة إلى من يأخذ بيدها في أيام نعيشها يعلم الله صعوبتها علينا فكيف عليهم؟ وهنالك الأيتام، الأمانة في عنق كل مسلم قادر، والقدرة ليست مالية فقط، فهنالك أشياء نستطيع أن نقوم بها لمساعدتهم، هذا إن عقدنا النية من الأصل، بعدها نفكر ونبحث وسنجد حتما عدة طرق لا مجرد طريق.
لقد طالب الكثير بالمحاسبة والشفافية لهذه الجمعيات، ولكن على المستوى العام وليس الفردي، بمعنى أن تكون المؤسسات الخيرية مسؤولة على تزويد من يرغب من المتبرعين بالمعلومات عن نشاطاتها وإنجازاتها وكيفية تصريف المبالغ التي تتحصل عليها من المتبرعين، وهو حق لكل متبرع حتى ولو كان ما قدمه ريالا واحدا فقط، ومن جهة أخرى يجب أن ينظر إلى الجميعات الخيرية الحكومية أو الخاصة كشركاء في دعم مسيرة الخير والعطاء في المجتمع، وللقيام بهذا العمل على نحو فعال، لا بد أن نتوقف عن تشويه السمعة، لنركز على الحالات الخاصة ولا نعمم، ونذكر دائما بأهميتها ودورها الحيوي في حماية المجتمع، لأن ضحايا الشر الأكبر، الفقر، هم كثر ومعرضون للعراء والحاجة في مجتمع فرضت عليه المساعدة كما فرض عليه الصوم والصلاة، والذي يجري اليوم، وبالرغم من تزايد عدد حالات الفقر، أن المساعدات أو المبالغ التي يتم التبرع بها على المستوى الفردي، في نقصان عاما بعد عام، وكله بسبب حملات التشويه التي تمت، هذا لا ينفي أن بعض المسؤولين في تلك الجمعيات قد ثبت تورطهم، ولكن ماذا عن الغالبية الباقية؟ ماذا عن الأسر، والشباب، والأيتام، والمشاريع الخيرية التي تدعم الكثير من الفقراء؟
إن الثقة أمر أساسي لمعظم الجمعيات الخيرية، ولكن طباعة أو نشر جميع المعلومات خاصة بالنسبة للجميعات الصغيرة أو المبتدئة صعب على مستوى العاملين كمتطوعين أو موظفين، ويشكل نشر الحسابات بشكل دوري أو منتظم عبئا ماليا ثقيلا عليهم، ولما كان القطاع الخيري يقوم أصلا على المتطوعين والراغبين في عمل الخير، نجد أن الخبرة ليست بمتطلب، ما العمل إذن؟ كيف نحل هذه المعضلة ونساهم في بقاء مثل هذه المؤسسات الحيوية في مجتمعاتنا؟ الحل في شبابنا وهم الشريحة الأكبر في مجتمعنا، فمن الواضح أن الضمير الاجتماعي لديهم قوي ويبشر بالكثير، وما علينا سوى إلقاء نظرة على موقع مثل الفيس بوك أو التويتر كأمثلة، لنجد حملات المساعدة التي تتم من قبلهم، ولكن ماذا عن البقية؟ نجد أنهم يواجهون مشكلة الرواتب المتدنية التي بالكاد تغطي الضروريات، ولكن هذا لم يمنعهم من مساعدة الآخرين من زملائهم، وهنالك الكثير ممن ساهم في محاولات فردية يقوم بها بعض الأصدقاء فيما بينهم من أجل مساعدة أحدهم، إن عدم القدرة على المساعدة ماديا ليس عيبا كما لا يجب أن يكون عائقا، وكون الفرد ليس غنيا لا يعني أنه لا يمكن أن يكون له تأثير، وعليه فما هي الطرق التي يمكن بها أن يشارك؟
لنبدأ بالعمل التطوعي، وهو وسيلة لبناء المهارات ويساهم في بناء العلاقات وتعزيز الثقة بالنفس، قد يأخذ بعض الوقت، ولكنه لا يكلف شيئا ماديا، مثل تنظيم الملفات، وضع ميزانية، المساعدة في تصميم الرسوم البيانية، كتابة التقارير الدورية، متابعة الحالات، تصريف التبرعات، وإذا كان المتطوع ذا خبرة في مجال التسويق فيمكن أن يقدم المساعدة عن طريق التعريف بالجمعيات من خلال مواقع على الإنترنت للوصول إلى الناس مثلا من خلال الفيسبوك أو التويتر أو وسائل أخرى، أو إن كانت لديه خبرة في البرمجة فيمكنه إنشاء موقع تفاعلي تعريفي للجمعية للعمل على إعادة بناء الثقة بينها وبين المجتمع، أو يمكن جمع التبرعات عن طريق تحضير معرض لأحد الفنانين المحليين الصاعدين، أو عرض قطع مستخدمة شخصية أو لمجموعة من الأصدقاء للبيع على الإنترنت، أو إقامة حفل ترفيهي للأطفال أو الشباب لجمع التبرعات، أو التنسيق داخل مكان العمل مع قسم الموارد البشرية لإقامة حفل خيري داخل المكتب، يساهم من خلاله في تقوية وتعزيز العلاقات بين الأفراد، كما يعزز قيمة العطاء ولو على نطاق ضيق، ويغير في النمط الروتيني اليومي، ويعمل على جعل الجميع يشعرون بالمحبة والتآخي.
ولكن لكي يتمكن شبابنا من القيام بكل ذلك، يجب أن نزيح من طريقهم كل التحديات التي قد تعيق عملهم التطوعي، مثل المعاملات البيروقراطية التي تقتل أي شعور أو مبادرة لديهم بالمشاركة، وعليه باسمهم وباسم الجمعيات الخيرية وباسم كل المحتاجين في مجتمعاتنا، أطالب المسؤولين في الوزارات والجهات المعينة وإمارات المناطق بإزالة الحواجز لتسهيل العمل الخيري أمام شبابنا، لنهتم بأعمالهم كما نهتم بالفعاليات والمهرجانات للعطل الدراسية والأعياد.