لكي نقبل الأداء السياسي الذي يقدمه الإخوان علينا إما أن نكفر بالثورات والربيع العربي، أو أن نرفض وصول جماعات الإسلام السياسي للحكم لما ستحمله معها من سلوكيات الاستبداد والاستحواذ على كل ما في الدولة

لماذا تحول بعض أتباع الإسلام السياسي لدينا إلى ما يشبه قادة فرق التشجيع في مباريات الدوري السعودي، أولئك الذين تبدأ وظيفتهم قبل وقت المباراة ولا تنتهي بنهايتها، تصدح أصواتهم بالتشجيع والصراخ إلى درجة تكاد تكون مفصولة عن واقع المباراة، المهم بالنسبة لهم أن فريقهم الموكلون بتشجيعه يلعب في هذه اللحظة، وفي كثير من المباريات يكون فريقا محملا بخسارة كبرى ومع ذلك لا يتوقف التشجيع والغناء والتصفيق.
يحدث هذا الآن مع أتباع الإسلام السياسي في الخليج، لا يعبؤون غالبا بكل تلك الخسائر اليومية التي يمر بها فريقهم الإخواني في مصر، ولا بعدد الأخطاء والهزائم النوعية التي يتعرض لها الإخوان على الملعب السياسي في مصر، ورغم ذلك لا يتوقفون عن التصفيق والتهليل والتشجيع.
هذا جانب من مشكلة الإسلام السياسي مع الواقع، إنه يتعلق بأفكار وعناوين أكثر من تعلقه بالواقع ولذلك فما زال يرى في الإخوان نموذجا طليعيا للنصر الحركي الذي طال انتظاره وللمستقبل الإسلامي الذي ستبدأ تباشيره من جبل المقطم.
الآن لكي نقبل الأداء السياسي الذي يقدمه الإخوان علينا إما أن نكفر بالثورات والربيع العربي وأن نتعامل معها على أنها كانت مجرد فرصة عبور لصعود تيارات تعتبر محاذية وموازية لأنظمة الاستبداد التي قامت الثورات للإطاحة بها، أو أن نرفض وصول جماعات الإسلام السياسي للحكم لما ستحمله معها من سلوكيات قائمة على الاستبداد والإيمان بالغلبة والاستحواذ على كل ما في الدولة وتجييره لصالح الجماعة.
بعد كل هذه الأشهر يبدو الواقع المصري نادما ومتأثرا للغاية حين يتذكر أن يداه أوكتا وفاه نفخ، كان الثأر ضد النظام السابق هو القوة المحركة للأصوات الانتخابية في الشارع المصري، لكن العوامل التي أوصلت الإخوان للسلطة ليس بالضرورة أنها هي التي ستضمن لهم البقاء والاستمرار، خاصة مع كل هذا الفشل ومع كل هذه الإخفاقات المتوالية.
الآن يشتبك الإسلام السياسي مع نفسه، فلطالما أخذ يعير كثيرا من العلماء والدعاة بأنهم لا يعرفون من الدين إلا الحث على السمع والطاعة للسلطان، ها هو الآن وبعد كل الفشل الذي يبديه الإخوان المسلمون في مصر يعود لاستخدام الدعوة للسمع والطاعة والحث عن وحدة الكلمة والصف، الشارع المصري لم يقم بالثورة ضد مبارك لأنه لم يكن ملتحيا ولا لأنه لم يحارب إسرائيل إنما كانت ثورة على الفقر والظلم والاضطهاد والاحتكار والفساد، وكل هذه المظاهر تتكرر الآن وبحدة ربما في الشارع المصري، هذا الإخفاق هو الذي يؤدي الآن بالإخوان للعودة لمفاهيم السمع والطاعة ومحاولة إعادة توظيفها سياسيا.
أمام كل هذا الواقع وأمام ما يحدث الآن من حركات واعتصامات وعصيان مدني في أكثر من محافظة مصرية، يدرك المصريون أن التحدي ليس في إسقاط الإخوان بقدر ما هو في الحفاظ على مصر وإنقاذها، لكن بالمقابل يبدو أن الشارع المصري بصدد الاقتناع أن إنقاذ مصر لا يمكن أن يتحقق بوجود الإخوان.
أسوأ المتابعين للإخوان وأسوأ جمهورهم من الحركيين وأتباع الإسلام السياسي ليسوا فقط أولئك (الهتيفة) من جمهور ومشجعين، بل أولئك الذين يسعون لنقل المعركة إلى داخل بلدانهم، وتحويل قضية الدفاع عن الإخوان إلى ممارسة متهورة ساذجة ومعتمدة على الصراخ والتخوين، وهي بالطبع ذات اللعبة التي يمارسها بعض دراويش الإسلام السياسي على شاشات التلفزة في بعض الفضائيات الإسلامية، مشكلة هؤلاء الجمهور في الخليج بوجه عام وفي المملكة بشكل خاص أن أحدا من أولئك الحركيين لا يجرؤ على التصريح بإخوانيته، ويتلون كثيرا حينما يداهمه هذا السؤال، هذا شأنه لكنه يتحول إلى شأن عام حين يصبح هدفه نقل معارك الإخوان والكوارث التي يحدثونها في بلدان الربيع العربي المسافر إلى داخل وطنه.
إذا لم تكن إخوانيا فدعنا نقرأ المشهد كما نراقب انتخابات في النرويج أو في فرنسا، وإذا كنت إخوانيا فعلينا أن ندرك أين تتجه بوصلة ولائك، هناك فرق شاسع جدا بين من يحاور انطلاقا من رأي ومن فكرة، وبين من يحاور انطلاقا من انتماء، أو ربما من بيعة، من يدري؟