(جميل) كلمة تعكس واقعا لشيء ما يمنح الإنسان إحساسا بالمتعة والرضا واللذة الجمالية، وعلم الجمال الحسي ينطلق من حقيقة أن الجميل يكون نتاجا لممارسة اجتماعية وتراكم تاريخي ومعرفي حول القيم الجمالية، إنه يظهر إلى حيز الوجود ويتطور عندما يحقق الإنسان وجوده ككائن اجتماعي، ويكتسب الشيء صفة الجميل في الحياة وفي الفن حين يمنح اللذة الوجدانية والتي تختلف معاييرها من مجتمع لآخر حسب اختلاف قيمه وتفكيره ومستوى تطور المعرفة.
لكن حين نقول: تجربة جمالية فهي التي تتكشف في قلب التأمل والتدبر، إنها تجربة الشعور الذي يتولد أمام الجميل بعمق، إلا أن أي شعور يتولد لدى الإنسان إنما هو وليد الحاجة لديه، ولذلك يرى عدد من النفسانيين أن الشعور الجمالي تجربة تحقيق رمزية لرغباتنا واحتياجاتنا، فقد يشكل الفن مثلا لغة سرية تخاطب الإنسان بها اللاوعي، أو غرائزنا التي تقبع في الظلمة أو المكبوتة ليكون شيئا ما جميلا كأيقونة لانفعالنا إزاءه، لهذا قد يثير شيء ما شعورنا وهو ليس بجميل أو يعتبر ضحلا ومتواضع القيمة لكنه يلبي حاجة ما، وقد يكون الشيء النافع جميلا أيضا إذا توجهت حاجة الفرد إليه، وبالتالي قيمته الجمالية قيمة نفعية فحسب؛ فيما قد يعجب الإنسان بشيء جميل لصفة جمالية ذاتية فيه، دون أن يدخل في هذا الإعجاب فائدته ونفعه، وهنا يكون الجمال ذاتيا، ويُصبح تلبية لحاجة روحية جمالية خالصة، وكما هناك فرق بين النافع والجميل هناك فرق بين الجميل واللذيذ الذي يصل إلى الإنسان عن طريق التذوق والشم كالأطعمة والروائح، فعلى مثل هذه الأشياء لا يطلق عليها صفة الجمال بل يُقال عنها طيبة، ينطبق الأمر نفسه في الشيء الذي يتصف بالخير أو الحق أو الفضيلة فيتم وصفه بالجميل، والجمال هنا لم ينبع من ذاتية الشيء إنما لأن فيه خيرا أو هو حق أو فضيلة، وهنا نحن نتوهم جماله؛ نحو ما يوجد لدى بعض الناظمين للشعر مثلا ممن يتحدثون عن قضايا أخلاقية نبيلة وعن الفضيلة رغم رداءة الصياغة الشعرية لكن هناك من يصفه بالجميل وقد تعلو قيمة الشاعر نتيجة ذلك رغم ضعف تجربته الشعرية.
هناك أمر آخر مهم؛ هو أن التجربة الجمالية موثوقة الصلة بتطور البشر، هذه الصلة تنهض على مستوى تطورهم العملي والاجتماعي والفكري والروحي؛ إنها تقوى وتضعف تبعا لذلك، فكلما ضعف المستوى التعليمي مثلا ضعف الوعي المعرفي وبالتالي ضعفت الذائقة الجمالية بل وضعف الإحساس بالقيم الجمالية في الأشياء، فالجمال ثمرة لمستوى هذا التطور والارتقاء؛ وكلما تخلف المجتمع معرفيا؛ نحت التجربة الجمالية فيه إلى التواضع والضعف؛ حتى تصبح صفة الجمال مجرد قشرة خارجية لا أقل ولا أكثر؛ وكما يقول الفيلسوف الإنجليزي ديفد هيوم: الجمال ليس خاصية في ذات الأشياء بل في العقل الذي يتأملها.
وغدا نكمل رحلتنا مع الجمال..