المملكة من أغنى الدول بالتراث وجوانب الفن، وأمتنا من أغنى الأمم بالشعراء والأدباء والفنانين، فنحن نمثل حاضراً زاهراً، يصلنا بماض أدبي وفني عريق وأصيل
الأخلاق والفنون والثقافة والإبداع على مختلف ألوانها وتفرعاتها هي أساس حضارة الأمم ومؤشر رقيها ودليل أصالتها هذا هو منطق الواقع وحكم التاريخ البعيد والقريب.
هناك أمم فوق الحصر سادت وارتفع شأنها وأحرزت أعظم درجات القوة والنفوذ ولكنها بادت ومحيت من ذاكرة الأجيال والأيام لأنها لم تترك أثراً حضارياً (فنياً أو أدبياً) ينم عن مرورها من أروقة التاريخ، وهناك أمم قليلة سادت وبادت أيضاً ولكن حضارتها الفنية والأدبية والفكرية لاتزال حتى اليوم المنهل العذب الذي ترتوي منه الأمم اللاحقة، تقتبس منه وتعجب به، وتفيد من نماذجه الراقية الأصيلة.
في كل زمان ومكان، وعلى مر الأيام والعصور، لا أحد يستطيع أن يتجاهل الحضارة الإسلامية والإغريقية والرومانية القديمة، ذلك لأن سر بقاء هذه الحضارات حية في الأذهان يتمثل في الآثار القيمة التي تركتها للعالم، في فن البناء، وفن الشعر، وفن المسرح، والرسم، وهي آثار تدل على رهافة الحس، والذوق والإبداع.
الحضارة لا تعني القوة العسكرية أو المادية مطلقاً، ولكنها تعني الجمال والحب والكلمة المضيئة، وهذا هو سر خلود حضارة الإسلام واليونان والرومان والحضارة القديمة في الذاكرة والتاريخ، وهو سر سقوط حضارة المغول والبرابرة والحضارة الإسبارطية قبل ذلك!
ولعلي لا أبالغ حينما أقول إن الشعراء والأدباء الكبار هم أعظم وأشهر من القادة والفاتحين الكبار، وأعتقد أن المتنبي وهوميروس وموزار ودافنتشي وبيكاسو وبتهوفن وشكسبير، سيظلون في صفحات التاريخ على ألسنة أجيال العالم أعظم وأكبر شهرة من الإسكندر وقيصر وهنيبال ونابليون وهتلر وبقية الذين اشتهروا بالطغيان.
وإذا كنا في هذا القرن الواحد والعشرين نرى تقهقراً جارفاً! وشديداً في الفن والأدب أمام الحضارة المادية الطاغية، فذلك لأن الأذواق والأحاسيس تبلدت وأصابها الجفاف والتيبس، وهي كبوة لا أعتقد أنها سوف تستمر. فسرعان ما يعود الإنسان إلى طبعه وذوقه وإنسانيته، وحبه للجمال والأصالة والذوق الرفيع.
الحضارة الحقيقية هي حضارة الأخلاق، حضارة الأدب وحضارة الفنون من القول والعمل، لأنها هي الحضارة الحية الخالدة التي يحفل بها التاريخ.
نحن في هذه المملكة، وفي هذا البلد ذي المكانة المرموقة والإمكانات الكبيرة، نشرع الأبواب واسعة لحضارة عربية إسلامية، وحضارة فنية وثقافية. وفي كل يوم هناك احتفال بتكريم مبدع، في أي مجال شبابي كان أو رياضي أو ثقافي أو علمي، ولعل جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة التي قام احتفالها في مقر اليونسكو في باريس كانت الأهم والأكبر هذا العام والتي تقام خارج حدود الوطن.
إن المملكة من أغنى الدول بالتراث وجوانب الفن، كالشعر والأمثال والقصص وأناشيد الحرب، وأمتنا من أغنى الأمم بالشعراء والأدباء والفنانين، فنحن نمثل حاضراً زاهراً، يصلنا بماض أدبي وفني عريق وأصيل، سواء كان في العصر الجاهلي أو في عصرنا الحاضر.
ونحمد الله على أن بلادنا غنية بالمواهب في كل الفنون، فالأصوات الثقافية السعودية أصبحت شائعة ومعروفة في كل مكان، ولوحات ومعارض الفنانين أصبحت تعرض في عواصم الدول المتحضرة، وتقدم ما لدينا من تراث عريق إلى سائر الأمم (لقد أصبحنا مثل غيرنا من الأمم لنا حضور محمود يقدم الخير والفكر والسلام بدل أن نكون دعاة حرب ودمار) هذا توجه صائب أن نشارك دول العالم بما لدينا من حضارة، وأن ندون اسمنا في أروقة التاريخ، بما ينفع الإنسان ويسعده.
ولعل حضور بلادنا في المؤتمرات السياسية، والعلمية، والثقافية، والاقتصادية، مؤشر ودليل على توثب هذه البلاد وتطلعها إلى تدوين اسمها بين أمم الأرض، ومشاركتها في كل إنجازاتها، في هذا العصر في تاريخ الإنسانية. نقول ذلك وكل أملنا أن نفوز بمقعد بين أمم العالم، وسطور تسجل اسمنا في أيقونة التاريخ.