حان الوقت لأن تقف الدول بجانب مبادئ السيادة التي تنادي بها الأمم المتحدة قبل أن تدمرها إسرائيل ومؤيدوها في واشنطن، لندن وباريس. إذا لم يفعل المجتمع الدولي ذلك، فلن تكون دولة قريبة من إسرائيل آمنة
ثلاثة أمور حدثت مؤخرا تبين بقوة أن القيادة السياسية في إسرائيل تمر بمرحلة انهيار عقلي جماعي. لا يتعلق الأمر بالانتخابات الأخيرة أو بالصراعات بين الأحزاب السياسية أو حالة الاقتصاد الإسرائيلي، وجميعها مشاكل جدية. لكن الأمر يتعلق بالجنون الجماعي الواضح في سلوك إسرائيل بخصوص علاقاتها مع جيرانها. هذه الممارسات تتضمن قصف إسرائيل لأهداف داخل سورية، ومحاولة إسرائيل تجاهل إدانة الأمم المتحدة للمستوطنات اليهودية، وخطة لإحياء فكرة إسرائيل العظمى وأن الأردن هو فلسطين، وخطة لخلق منطقة عازلة من الأرض داخل سورية ولبنان على الحدود مع إسرائيل.
تحدثت مقالات كثيرة عن أن نتائج الانتخابات داخل إسرائيل، تظهر عاملا عنصريا فاشيا قويا مثل: بروز حزب المستوطنين الذي يقوده نفتالي بينيت، لكن هناك أيضا تمردا كبيرا من قبل الطبقة الوسطى والطبقة العاملة ضد الحكومة، التي تضغط عليهم وتفرغهم من مواردهم المالية. في وجه هذا، يتطلع نتنياهو وأتباعه إلى حصن أو جدار حديدي. ستكون هذه دولة بوليسية عسكرية مفتوحة تقوم بالتطهير العرقي للعرب والأفارقة من الأراضي المحصورة بين البحر الأبيض المتوسط وبين نهر الأردن، والتي تقمع حتى اليهود الذين ينتقدونها داخل ما يسمى الدولة اليهودية.
تشير تقارير صادرة من داخل إسرائيل، إلى أن حكومة نتنياهو تستعد لإقامة منطقة عازلة على مسافة 5-15 ميل داخل سورية ولبنان، على طول الحدود الإسرائيلية مع جارتيها الشماليتين. هذه ليست مناطق متنازع عليها. هي أراض تحت السيادة السورية واللبنانية الكاملة. ومع ذلك، هناك وثائق على مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تقترح أن تقيم إسرائيل منطقة عازلة، بما في ذلك منطقة حظر للطيران على طول الحدود الشمالية، لمنع إطلاق صواريخ سورية وحزب الله على المناطق الإسرائيلية. المسؤولون الحكوميون الأميركيون والمصادر الإسرائيلية أكدوا أنهم اطلعوا على المخططات الإسرائيلية.
المخططات الإسرائيلية بالاستيلاء على المزيد من الأراضي من جارتيها الشماليتين تأتي مباشرة بعد أن هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية أهدافا داخل سورية، بما في ذلك منشأة بحوث في ضواحي دمشق، وقافلة شاحنات تدعي إسرائيل أنها كانت تحمل صواريخ إلى حزب الله في لبنان. مسؤولو وزارة الدفاع الإسرائيلية يعون تماما أن سورية تمتلك أنظمة دفاع جوي متطورة باعتهم إياها روسيا. هناك تقارير بأن مستشارين روس موجودون في بعض مواقع الدفاع الجوي هذه. حتى اليوم، أظهرت الحكومة السورية الكثير من ضبط النفس في تفعيل الدفاعات الجوية لإسقاط الطائرات الحربية الإسرائيلية. هذا حدث أيضا منذ خمس سنوات، عندما قصفت طائرات إسرائيلية مبنى داخل سورية ادعت تل أبيب أنه كان موقعا نوويا سريا. وكان ذلك صحيحا أيضا في الأسبوع الماضي، عندما انتهكت الطائرات الحربية الإٍسرائيلية المجال الجوي السوري وقصفت هدفين على الأقل. ليس هناك سبب يبرر أن يعتقد القادة الإسرائيليون أن الحكومة السورية ضعيفة لدرجة تجعلها تسمح باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية للمجال الجوي السوري وقصف أهداف سورية. باختصار، إسرائيل تلعب بالنار. إنهم لا يستفزون فقط سورية. هم يستفزون روسيا أيضا.
بسبب خطر اندلاع صراع واسع من تدخل عسكري خارجي مباشر عارضت القيادة الأميركية التدخل العسكري الأميركي المباشر في سورية. كبار الضباط الأميركيين لا يريدون تكرار ما حدث في ليبيا في شرق المتوسط. لذلك فإن ما قام به نتنياهو عكس، والذي رفضت المؤسسة العسكرية الأميركية أن تخاطر بعمله، يدل على جنونه هو وكبار مستشاريه. هذا الأسبوع، مع وجود رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بيني جانتز، في واشنطن لعدة أيام، سيكون مثيرا للاهتمام معرفة إذا كان سيحصل على ضوء أخضر من الرئيس أوباما لاعتداءات إسرائيلية أخرى. بعكس الاعتقاد السائد، فإن أوباما ـ وليس المؤسسة العسكرية الأميركية ـ هو الحامي الأكبر لإسرائيل.
المؤشر الثاني على جنون إسرائيل مؤخرا جاء في جنيف في الأسبوع الماضي، عندما قاطعت إسرائيل جلسة خاصة للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، لاستلام تقرير من الدراسة التي اكتملت مؤخرا عن سجل حقوق الإنسان في سورية. التقرير تضمن إدانة قوية للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية واتهاما لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب، كما طالب إسرائيل بالانسحاب من جميع المستوطنات في الضفة الغربية. التقرير أوصى بأن تقاطع الشركات الدولية والحكومات العالمية البضائع الإسرائيلية، التي تأتي من المناطق المحتلة إلى أن تلتزم إسرائيل بنتائج التقرير. إسرائيل وضعت نفسها في مرتبة الدولة المارقة بمقاطعتها للجلسة واستهتارها بالقانون الدولي.
أحد الأدلة على أن المجتمع الدولي متضايق جدا من سلوك إسرائيل نشر رسم كرتوني في صحيفة (صنداي تايمز) اللندنية نقلته صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية. الرسم الإلكتروني يظهر نتنياهو يبني جدارا كبيرا مستخدما دماء الفلسطينيين كأسمنت.
المؤشر الثالث على الجنون الجماعي للقيادة الإسرائيلية هو إعادة إحياء فكرة أن الأردن هو فلسطين، وأن الدولة الفلسطينية المستقبلية، يجب أن تبنى على الضفة الشرقية لنهر الأردن. فكرة أنه حان الوقت لضم الضفة الغربية بشكل نهائي كانت أحد محاور الحملة الانتخابية لحزب المستوطنين اليهود. من المؤكد تقريبا أن نتنياهو سيشكل حكومة ائتلافية مع حزب المستوطنين العنصري، وبعض الأحزاب المتطرفة الأخرى؛ لأن معتقداتهم بخصوص الدولة اليهودية هي نفس معتقداتهم.
حان الوقت لأن تقف الدول بجانب مبادئ السيادة التي تنادي بها الأمم المتحدة قبل أن تدمرها إسرائيل ومؤيدوها في واشنطن، لندن وباريس. إذا لم يفعل المجتمع الدولي ذلك، فلن تكون دولة قريبة من إسرائيل آمنة.