الحزن لا يتوسل اللحظة أو يستأذن المكان ليعم الأجواء ويسيطر عليها، الحزن يمزق كل قدرات المنع والتخفي والتماسك ودفاعاتها، ويعلن عن نفسه دون أن يترك لك خيارا سواه، فيطل عبر عينيك وصوتك وروحك ومظهرك، وفي مخارج كلماتك.
تلبسني الحزن ووقفت الكلمات كالغصة في حلقي، لحظة سماع الخبر الفاجعة، الذي لم أستوعبه لولا بعض الدمعات الحارقة التي أعادتني إلى الواقع فسلمت بالقضاء، لأن الزميل محمد سعيد القحطاني كان يملأ مكاتب الصحيفة حركة وبسمة وحضورا بهيا الخميس الماضي، وإذا بنا نفاجأ يوم الأحد بخبر وفاته إثر حادث سير أليم، ليعم الحزن الصحيفة، ويبكي الزملاء فقيدا عزيزا لديهم، لأنه ترك بصماته وابتسامته وتعاونه في كل مكتب من مكاتب الصحيفة، ورحل بهدوء كعادته.
رحل الزميل والصديق العزيز محمد سعيد محمد القحطاني مدير إدارة تقنية المعلومات والإعلام الرقمي في الصحيفة، وبرحيله فقد الوطن الكبير أحد شبابه السعودي الطموح، المتعلم، المتمكن والمؤهل، وفقدت صحيفة الوطن أحد أبنائها البررة وأحد المساهمين بفاعلية في زيادة رونقها وحضورها وانطلاقتها الرقمية، بل فقد الشباب السعودي من الجنسين أحد الداعمين والمهمومين بقضاياهم ومشاكلهم، فقد كان الفقيد يسخر إمكاناته ووقته وفكره في مساعدة الشباب السعودي على إيجاد فرص وظيفية تفتح لهم أبواب المستقبل، إذ إنه مبتكر برنامج توظيف الذي ترعاه صحيفة الوطن بالتنسيق مع إذاعة أ أ إف إم، وتمكن البرنامج منذ انطلاقته في يناير 2011 أن يجمع أكثر من 3600 سيرة ذاتية، تم ترشيح 2048 منها لوظائف مناسبة، في حين تفاعلت أكثر من 139 شركة من عدة مناطق مع البرنامج، وتم فعليا توظيف أكثر من 141 شابا وشابة خلال الفترة القليلة الماضية، بل إن آخر أعمال الزميل القحطاني في مجال خدمة الشباب السعودي، كان تنسيقه مع شركة طبية لتوظيف عدد من الشباب والشابات من أبناء وبنات هذا الوطن، وحضر أكثر من 70 شابا إلى مقر الصحيفة يوم الأحد الماضي حسب المواعيد التي حددها لهم الزميل القحطاني، لكنه للأسف لم يكن موجودا، وتم توظيف 60 منهم في نفس الشركة الطبية.
يعرف الزميل القحطاني بين الزملاء في الصحيفة وكل معارفه، بأنه صاحب الابتسامة الدائمة في كل المواقف وجميع الأحوال، يعرف بأنه المساند للجميع، والقريب من الكل، صاحب العلم الغزير في مجال عمله وتخصصه، وصاحب أكبر عدد من المبادرات والأفكار التطويرية في مجال عمله في الصحيفة، كان يحرص على أن يقدم تقارير إحصائية دقيقة بشكل مستمر ودوري، لتقييم الأداء في مجال التقنية وموقع الصحيفة الإلكتروني، وتقديم المقترحات والحلول وتبنيها وإنجازها بحرفية ومسؤولية وبأعلى المستويات، يتميز بدماثة الخلق وحسن وطيب المعشر، والتعاون والتكافل والهمة والنشاط، والتمكن من عمله، فأدار تقنية المعلومات في الصحيفة بأعلى مستويات الأداء، وقدم الكثير من الإنجازات والأعمال الريادية.
كان الفقيد نموذجا للشاب السعودي الطموح، المتفاعل مع وسطه ومجتمعه، كان مثالا للمهني المحترف المتسلح بالعلم والمعرفة والذكاء والهمة والنشاط والحيوية، ووضع بصماته بوضوح في كل المواقع التي عمل بها، ونال العديد من الجوائز والشهادات التقديرية من جهات عدة.
كان ركنا من أركان صحيفة الوطن وشارك في بنائها وتطويرها وزيادة بريقها بخبرته وأدواته التي كانت دائما تذهل وتبهر الجميع.
أعزي نفسي وأسرته وأبناءه وأهله وأصدقاءه وكافة زملائه والمقربين منه، سائلا المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يرزقه الجنة ويسكنه مع الصديقين والشهداء والأبرار.
اللهم ارحم واغفر وتجاوز عن العزيز محمد القحطاني فقيد الشباب والوطن والإعلام وقبل ذلك الإنسان بكل ما تعنيه الكلمة.