ليت الإعلام يدعم حملة تحفيز الموسرين والبنوك ورجال الأعمال، بعدم التعويل على أن الحكومة فقط هي من تعوضهم؛ لأن مثل هذه اللفتات الوطنية، تعزز قيمة الانتماء والمواطنة الحقيقية

تسمرت في مكاني، وغشيتني حالة سكون وتبلد، حال رؤيتي لمقاطع اليوتيوب التي أغرقنا بها شباب تبوك، وهم يصورون ما فعلته السيول بمدينتهم الوادعة، وعشت بمشاعري، وتألمت بحق، مع ذلك الشاب التبوكي الذي انهار باكيا وهو يرى سيارته - التي ربما لم ينته من سداد أقساطها - تتهادى وسط السيل الجبار، يسوقها كما اللعبة الصغيرة.
مآس وقصص تروى، وكل فرد في تبوكنا الغالي له حكاية تراجيدية يرويها، ولكن الجميع يتساءل: من المسؤول عما حدث لنا؟ مسألة أنها قضاء وقدر، نؤمن بها ولا شك كمسلمين، بيد أننا نسأل أولئك المؤتمنين، عندما عُيّنوا كأمناء للمدن، أو مسؤولين في التخطيط، وأولئك الذين هم في الطرق والمواصلات، نحن نطالبهم اليوم بالخروج للإعلام؛ ليحكوا لنا، ويبرروا سبب هذه البنية التحتية المهترئة، وأين ذهبت المليارات التي خصصتها الدولة، فيما تصريح أمير تبوك لمّا يجف حبره بعد، وهو الذي قال بالبني التحتية وإن شبكة الصرف الصحي والمياه تمت تغطيتها بالكامل، في إنجاز غير مسبوق، والمتخصصون في البيئة يقولون: إن سيل تبوك يعد سيلا عاديا جدا مقارنة بالسيول الكبيرة، إذ كان معدلها 2 سم، بحسب الخبير البيئي د. علي عشقي، مقارنة بسيول ساندي في الولايات المتحدة التي كانت على معدل 25 سم، فأين الإشكال يا هؤلاء؟.
أنا أحد المؤمنين بأن هيئة مكافحة الفساد، لن تحقق شيئا، فالنطاق الحقيقي الذي تستطيع فيه العمل، نطاق ضيق، فيما المساحة الكبرى التي نحتاجها فيه كانت إجابتها في تصريح معالي الأستاذ محمد الشريف، بأنه يعرف الفسدة، ولكنه لا يملك أدلة فعلية على إدانتهم، ولذلك فإن التعويل على الهيئة وحدها في كشف الفسدة تعويل العاجز الضعيف، الذي لا يتمتع بأية غيرة وطنية، ولا يروم العدالة ولا الإصلاح.
ليس سوى الإعلام هو الذي يستطيع تحريك القضية، وجيل تويتر واليوتيوب يستطيعون كشف الفساد، عبر الجأر بالحقائق، والإشارة الصريحة بالسبابات تجاه الفساد والمفسدين، الذين أهملوا واجباتهم، وغشوا المجتمع، وقدموا مشاريع هشة، تُفضح مع أول غشقة مطر، وكم أعجبت بالشاب محمد العثيمين، الذي قام خلال يومين فقط، بإنتاج برنامج بديع مدته أقل من خمس دقائق، صور فيه الانهيارات التي حدثت في تبوك، وقدمها في قالب مهني رائع، وكتب بأن ما حدث في تبوك هو جريمة، نبحث عن مرتكبيها. الإعلام هو السلطة الرابعة، ولو قام بدوره الحقيقي في مساعدة ولاة الأمر في المراقبة والمطالبة بالمحاسبة، لاصطف المجتمع كله ضد الفسدة والفساد، وأين يهربون حينها من 28 مليون إنسان؟.
الجانب المضيء في هذه الأزمة، هو دور الدفاع المدني، وحكى غير واحد، عن بسالتهم، وأنهم استفادوا فعلا تجارب سابقة، وعملوا بنشاط كبير، نشكرهم عليه، بمثل ما انتقدناهم في السابق، وأيضا دخول الجيش للمساعدة، وهو ذات ما كنت أطالب به؛ لأن الدفاع المدني مهما كان حجمه، لا يستطيع صد الكارثة لوحده، ودخول الجيش، خصوصا سلاح المهندسين، بإعادته إصلاح ما انهدم من الجسور، وتعبيد الطرق التي انهارت، كان له دور حاسم في تقليل الخسائر.
يبقى هنا، الدعوة لتعويض المتضررين، من إخوتنا وأهلنا في تبوك، وبالتأكيد أن الدولة لن تترك أبناءها هؤلاء، ولكن أناشد تجارنا، ورجال أعمالنا، وحتى بنوكنا التي تقتات على أموالنا التي تأخذها دون أرباح، أن يقوموا بواجبهم الاجتماعي تجاه المنكوبين من أهلنا في تبوك، وأتذكر في حي النخيل المنكوب والذي أقطن فيه، كيف أن الأمير الوليد بن طلال، أمر بصرف سيارات صغيرة لأهالي الحي الذين تلقوا ذلك بفرح غامر، وما يزالون يلهجون له بالشكر والدعاء، وكانت لفتة وطنية من سموه، وهو ما أود أن أثبته هنا، رغم أنني لم أتسلم أي سيارة منه، وتجاهلني موظفوه، إلا أن الأمانة والموضوعية تستلزم شكر الرجل ومبادرته، وأدعوه هنا وغيره بالمبادرة لنجدة أهلنا في تبوك، فهم والله أولى من غيرهم من خارج هذا الوطن، الذي وصل خيرنا لهم، وقمنا بإغاثتهم ونجدتهم دون منّ ولا أذى، وليت الإعلام يدعم هذه الحملة، لتحفيز الموسرين والبنوك ورجال الأعمال، بعدم التعويل على أن الحكومة فقط هي من تعوضهم؛ لأن مثل هذه اللفتات الوطنية، تعزز قيمة الانتماء والشعور بالمواطنة الحقيقية.
أيتها البنوك ويا رجال الأعمال، واجبكم ودوركم الاجتماعي تعيّن اليوم تجاه أهلنا في تبوك، فأدوا أماناتكم.